الأخبار العاجلة

روحي الخالدي وبدايات الليبرالية الإصلاحية العربية

روحي الخالدي وبدايات الليبرالية الإصلاحية العربية

الغربية – احمد الدليمي

ولد روحي الخالدي (1864-1913)، أحد رواد النهضة العربية الكبار، في القدس،وقدم كتبا مهمة للثقافة العربية منها”علم تاريخ الأدب عند الإفرنج والعرب وفكتور هيجو”،وهو الأول في سياق ما صار يعرف بالأدب المقارن. و”المقدمة في المسألة الشرقية”، طبع مدرسة الأيتام الإسلامية بالقدس، وفيه يحاول أن يقدم تصورا تاريخيا للعلاقات الغربية الشرقية، وتحديدا الفرنسية العثمانية ويرى أنها علاقات ودية لم تكن لتمر بأزمات لولا التعصب الديني. وإذا ما غاب هذا العنصر عادت العلاقات إلى طبيعتها فأدت إلى عموم الفائدة بين القوتين والثقافتين وشعوب الأمتين. والكتاب محاضرة ألقاها الخالدي، في أواخر القرن التاسع عشر، أمام جماعة من العلماءالفرنسيين في باريس وحظيت بتقدير كبير منهم. إن ما طرحه الخالدي موضوعي على الرغم من أنه جاء مختزلا، وتاريخيا أكثر منه تحليليا، وغير مسند بوقائع من التاريخ الغربيوالعثماني القريب. إذ لم يذكر ما كانت تمر به الدولة العثمانية من دعوات إلى الإصلاح جاءت متأثرة بالحضارة الغربية، وتحديدا الفرنسية. وهو ما يفصل فيه خالد زيادة في كتابه “اكتشاف التقدم الأوروبي” دار الطليعة 1981، مشيرا إلىأن العلاقات العثمانية الفرنسية مرت بفترات من الاتفاق تعودإلى العصر العباسي. إذ صالح الرشيد شارلمان وتهاديا، حتى أن الأول أهدى إليه ساعة اندهش لها شارلمان. ثم في عهد العثمانيين، وبعد ظهور الروس قوة مهددة للدولة العثمانية، تم الاتفاق بين القوتين، الفرنسيين والعثمانيين، على أن تكون أراضي الدولة العثمانية مجالا لاستقبال البضائع الفرنسية، ومستقرا آمنا لحجهم، فتوسع، بمرور الوقت،الوجود الغربي الفرنسي عموما، والمسيحي خصوصا، في الأراضي العثمانية حتى أنهم صاروا محميين بقوانينهم. وكثيرا ما تتدخل فرنسا لحماية المبشرين وما يتصل بهم في الأراضي العثمانية. وبالمقابل كان العثمانيون، والمسلمون عموما،يتدخلون لحل النزاعات بين الطوائف المسيحية، ومنع تقاتلهم، الذي لم يكن بالنادر حدوثه. ويقول خالد زيادة إن هذا النوع من الاتفاقيات كرس الوجود الديني والثقافي الغربي في الشرق، وجعل تأثيره واقعا معاشا، وجعل العرب والمسلمين، يقدرونهم، ويميلون إليهم. وما سهل ذيوع محاولات الإصلاح الداعية إلى إتباع الأنموذج الحضاري الغربي. وهي دعوات أفادت من ضعف الدولة العثمانية، الذي كان يُرد إلى سيطرة رجال الدين أو شيوخ الإسلام على الخلفاء، كما أفادت من الاصلاحات السياسية التي اصطنعها الخلفاء، ومنها فتح السفارات وإرسال السفراء إلى الغرب وإلى فرنسا، فكان هؤلاء يسجلون ملاحظاتهم حول تفوق الغرب الحضاري. يظهر أن النهضة العربية لم تكن متأثرة بالحملة الفرنسية وحسب، وإنما كانت نتيجة لأن العرب، وهم جزء من الدولة العثمانية آنذاك، كانوا على اتصال بما يستجد من دعوات الإصلاح في اسطنبول، وأنهم كانوا يتأثرون بما تتأثر به عاصمة الخلافة من دعوات إلى الإصلاح والتحرر، وتسييد الدستور. وهو ما يدعو إلى مراجعة الكثير من طروحات الدارسين حول بداية النهضة العربية والمؤثرات الرئيسة فيها. إن كتابي الخالدي وزيادة يشيران صراحة وضمنا إلىأن العامل الديني، وما يكمن وراءه من رغبة في الهيمنة، كان، بحسب قوته وضعفه، سببا مباشرا من أسباب التباعد أو التقارب بين الغرب والشرق. ولعل الخالدي يدعو إلى تخفيف الغلواء الدينية، وهيمنة الدينيين على قرار الخلافة العثمانية، بما يسهل الوصولإلى التفاهم الضروري للتعايش والتعاون الحضاري والإنساني بين القوتيتن: الشرق ممثلا بالخلافة العثمانية، والغرب ممثلا بالفرنسيين. ولذا عده صبحي حديدي من الليبراليين الاصلاحيين الذين انكسر في النهاية مشروعهم لصالح التوجهات الأصولية التي ما توقفت عن التأثير في مسارات السياسة والحياة العربية والإسلامية. ولو لم ينكسرلكنا، ربما، قطعنا أشواطا في النهضة والتحديث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial