الغربية – متابعة – سوزان صادق حمه – 19/ يوليو / 2025
الغربية تنشر تفاصيل اللقاء الصحفي بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس صحيفة الشرق الأوسط _
في الشهور الماضية، اجتاز العراق استحقاقين صعبين. لم ينزلق إلى نار الحرب الإسرائيلية – الإيرانية وتبعات الضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية. وكان قاوم قبل شهور إغراء التدخل لإنقاذ نظام بشار الأسد في سوريا.
بعد عبور الاستحقاقين، يتطلع العراق إلى استحقاق ثالث هو الانتخابات المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) التي ستقرر شكل البرلمان واسم رئيس الوزراء. حملنا هذه الأسئلة وغيرها إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني:
هل لديك انطباع أننا أمام توازنات جديدة في المنطقة بعد ما حصل في غزة ولبنان وسوريا وإيران؟
– بالتأكيد. بعد أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) وما تلاها من عدوان على لبنان، والتغييرات التي حصلت في سوريا، ومن ثم العدوان على إيران، تبرز هذه التكهنات حول مستقبل المنطقة في ظل هذه التطورات التي لا تزال مستمرة. لا يزال العدوان مستمراً على غزة وعلى لبنان، وما زال الحديث عن ترتيبات الوضع في غزة، وأيضاً التوغل الإسرائيلي في سوريا. كذلك نحن نتحدث عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وبالتالي لسنا أمام مسار سياسي ثابت لشكل المنطقة وتوازناتها وعلاقاتها.
هذه التطورات تدفع بهذا الطرح والتساؤل المهم الذي يستوجب رؤية واضحة: ماذا نريد لهذه المنطقة الحساسة على كل المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية، والتي شهدت لأول مرة حرباً كادت تتوسع لتكون حرباً شاملة في كل المنطقة لا تقتصر على اعتداءات بين إيران وإسرائيل؟
العراق جزء من الجغرافيا السياسية لهذه المنطقة. وفي الوقت الذي يضع مصلحة العراق والعراقيين كأولوية في هذه التطورات، هو أيضاً جزء فاعل في المنطقة ولا يقف متفرجاً، بل يسعى بعلاقاته ومصالحه مع دول المنطقة إلى بلورة موقف يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار، وخصوصاً أننا ضد الحروب التي اكتوينا بنارها طيلة عقود ماضية.
* ماذا فعلت حين انطلقت الغارات الإسرائيلية على إيران؟
– الكل كان يتوقع أنه سيكون هناك تصعيد وحرب قادمة وضربات متبادلة. كانت قراءة كل دول المنطقة، والعراق جزء من المنطقة. بعد بدء العدوان الإسرائيلي على إيران، والذي شهد خرقاً للأجواء العراقية، فإن هذا الحدث المهم يورط العراق في هذه الحرب وفي الاعتداء على دولة جارة، وهو ضد دستورنا وثوابتنا السياسية في عدم السماح لأي جهة أو دولة أن تستخدم الأجواء أو الأراضي العراقية كمنطلق للاعتداء على الآخرين.
كان أمامنا أن نثبت موقفنا الرافض على المستوى الدبلوماسي الدولي، فقدمنا شكوى لمجلس الأمن الدولي، وقمنا باتصالات لدعم هذا الموقف من الخرق، وأيضاً استنكار العدوان على دولة جارة بداعي أنها حرب وقائية أو خطوة وقائية في حين أنه عدوان واضح على دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة.
والجزء الأهم كان كيف نحافظ على الأمن الداخلي والموقف السياسي والموقف الوطني تجاه هذه الأزمة. وهذا ما نجحنا فيه ولله الحمد، ببلورة موقف وطني واحد رافض للعدوان ولانتهاك السيادة والأجواء العراقية، ويدعم مواقف الحكومة في الحفاظ على مصالح العراق والعراقيين، والنأي بالعراق عن الانزلاق في هذه الحرب. هذا كان موقفاً مهماً على المستوى الداخلي.
خرق الأجواء العراقية
* هل ساعدتكم الولايات المتحدة في هذا السياق؟
– الولايات المتحدة كانت حريصة على أن يكون العراق بعيداً عن هذا الصراع؛ لذلك كان لدينا تواصل مستمر، خصوصاً في مسألة خرق الأجواء وضرورة أن يكون هناك دور للولايات المتحدة؛ لأنها جزء من التحالف الدولي مع العراق لمواجهة الإرهاب، وطيلة عشر سنوات كان يفترض أن يكون هناك دعم لمنظومة الدفاع الجوي لكي نحافظ على أجوائنا بعيداً عن خرق أي جهة.
* ماذا طلبت إيران من العراق خلال الحرب؟
– لم يكن هناك أي طلب، إنما كان العراق هو المبادر بتوضيح الموقف وخطورته ونقل الرسائل بين مختلف الأطراف لإيقاف هذه الحرب والعودة إلى المفاوضات. كان عندنا تواصل مستمر مع الرئاسة ومع كل القنوات في إيران. كانت عملية مستمرة. كان هناك مسار مفاوضات كانت من المؤمل أن تكون يوم الأحد، فحصل العدوان صباح الجمعة.

كان توجه العراق الدفع للعودة إلى المفاوضات وإيقاف الحرب. كانت وجهة النظر الإيرانية أنه كيف نذهب إلى التفاوض والعدوان مستمر. كان حديثنا واتصالاتنا مع دول المنطقة والولايات المتحدة حول هذه الجزئية؛ أن هناك استعداداً للجلوس على طاولة التفاوض بشرط إيقاف العدوان. هذا كان الموقف الإيجابي لإيران في تلك الساعات في بداية العدوان.
احتواء «انفعالات» الفصائل
* هل كانت عملية إدارة العلاقات مع الفصائل العراقية المتحالفة مع إيران صعبة في الداخل؟
– بالتأكيد، كانت تحتاج إلى جهد. تفضلت بإشارة مهمة أنه طيلة العامين الماضيين مرت المنطقة بأحداث ساخنة للمرة الأولى في تاريخها. والعراق مستقر ولله الحمد، بعدما كانت – قبل وقت قريب في عهد الحكومة السابقة – المنطقة مستقرة والعراق ملتهباً في أحداث داخلية واعتداءات.
نحن أمام واقع ومسار ومنهج عمل ساهم في احتواء كل الانفعالات وبرمجتها باتجاه مواقف سياسية متزنة بعيداً عن الانفعالات. لم نسمح لهذه الانفعالات أن تتطور إلى أفعال تؤثر على الدولة وأمنها واستقرارها. هذا كان عبر جهد سياسي وأمني أيضاً للحفاظ على هذا الموقف.
* هل لديك شعور بأنك طبقت شعار «العراق أولاً»؟
– بكل ثقة نعم. لم يكن شعاراً رفعناه في البداية، وإنما كان منهجاً وعقيدة نؤمن بها أن العراق أولاً، وكرامة العراق والعراقيين هي أولويتنا في سياستنا الداخلية والخارجية.
* هل لديكم خشية من جولة جديدة بين إسرائيل وإيران؟
– نعم؛ لأن الكل يعلم أن نتنياهو لم يلتزم بأي هدنة لا في غزة ولا في لبنان. ومن الطبيعي أنه ممكن أن يقدم على المزيد من العدوان على إيران. سياسته ومنهجيته واستراتيجيته إبقاء المنطقة في حالة من الحرب حتى يحافظ على وضعه السياسي.
* هل خشيتم من أن يرتبك النظام في إيران وتطول الحرب، واتخذتم إجراءات للتعايش مع نزاع طويل أو مع اضطراب إيراني؟
– إيران دولة مهمة في المنطقة. ومن يسعى من خلال حرب الـ12 يوماً إلى إسقاط النظام، فبالتأكيد ارتدادات هذا الأمر ستشمل كل المنطقة. ومن الطبيعي أن يكون هناك قلق على استقرار المنطقة واستقرار أي دولة مجاورة. لا يمكن أن ترى حريقاً في دولة مجاورة وتتفرج عليه، ولا تتوقع أن تصل إليك النار. هذه منهجيتنا مع الكل، سواء كان مع إيران أو مع باقي دول الجوار.
ما نؤمن به في هذه المرحلة هو أن ندفع باتجاه الاستقرار والأمن والسلام والتفاهم، فكان مصدر قلقنا أن هذه التداعيات تؤثر على استقرار المنطقة. لكن على المستوى الداخلي كنا على ثقة بقدراتنا بفهم ووعي القوى السياسية والشعب العراقي لأهمية أن نحافظ على الأمن الداخلي وعلى النظام السياسي مستقراً وسط هذه الأحداث والتطورات.
* ماذا استنتج الجيش العراقي من هذه الحرب؟
– هذا الآن محل بحث ودراسة. لا أعتقد فقط من الجيش العراقي، وإنما كل جيوش المنطقة. نحن أمام لون جديد من هذه الحروب تستخدم فيه التكنولوجيا الحديثة، وبالتالي علينا أن نكون بمستوى هذا التطور وهذه التقنيات حتى نتمكن من الحفاظ على أمن واستقرار بلدنا.
* من دمّر الرادارات العراقية بعد انتهاء الحرب الإيرانية – الإسرائيلية؟ وهل هناك تحقيق ونتائج؟
– تحقيق من قبل لجنة فنية مختصة، وأتابع هذا التحقيق باستمرار. هذا اعتداء واضح استُخدمت فيه طائرات مسيّرة. وتعرف أنه ليس من السهولة كشف هذه الطائرات. اليوم هي تقنية تستخدم في الاعتداءات وفي إثارة الوضع الأمني. لكن بالتأكيد لن يمر هذا الأمر مرور الكرام.
استُهدفت قواعد في الناصرية وأصيبت بأضرار طفيفة. لكن حصل ضرر في منظومة الرادار في التاجي، وباقي المواقع تصدت الدفاعات الجوية وأسقطت هذه الطائرات. سنصل إلى النتيجة، وسيحاسب المنفذ أياً من كان.
* هل انطلقت المسيّرات من داخل الأراضي العراقية؟
– لا يزال التحقيق جارياً، حتى أننا استعنَّا بالتحالف الدولي؛ لأن هذه قضايا فنية دقيقة جداً لتحديد منطقة الانطلاق والمسافة التي انطلقت منها. هذه كلها تفاصيل حتى تصل إلى تحديد المتورط في هذا الاعتداء.
فرص الاتفاق الأميركي – الإيراني
* الرئيس ترمب يحب نظرية «الصفقة»، فهل لنا أن نتخيل صفقة أميركية – إيرانية في المرحلة المقبلة؟
– متوقع. الرئيس الأميركي صاحب مبادرة في احتواء الحرب الأخيرة. والعراق أيّد هذا التوجه، وكانت هذه المبادرة سبباً في تحقيق هذه الهدنة وإيقاف هذه الحرب المدمرة. ونأمل أن يستمر هذا الدور، خصوصاً من خلال المفاوضات الثنائية حول الملف النووي، لينتج هذه الصفقة أو الاتفاق الذي يؤسس لاستقرار منطقة حيوية مثل منطقة الشرق الأوسط.
* هل استنتجت من كلامك مع المسؤولين الإيرانيين أن هناك رغبة إيرانية حقيقية في التوصل إلى اتفاق مع أميركا؟
– نعم، انطباعنا من خلال سلسلة الاتصالات واللقاءات أن هناك رغبة جادة من الدولة في إيران للوصول إلى اتفاق يضمن مصالحها، وأيضاً مخاوف المجتمع الدولي؛ لأنه لا يوجد قرار في إيران على المستوى الديني والرسمي بامتلاك السلاح النووي الذي هو هاجس دول العالم. إذن الطريق سهل للوصول إلى تفاهم ينهي هذا الملف الذي كان أساس هذا التوتر والتصعيد في المنطقة.
العلاقات مع سوريا الجديدة
* لماذا لا تبدو العلاقات طبيعية تماماً حتى الآن مع سوريا؟
– بالعكس، أنا أجدها طبيعية وفي مسارها الصحيح. منذ اليوم الأول كان موقف العراق واضحاً في احترام خيارات الشعب السوري وما حصل من تغيير. يمكن بعد فترة وجيزة التواصل الرسمي، وأرسلنا وفداً وبدأت الاتصالات والزيارات المتبادلة ولقاء الدوحة، ولا يزال التواصل حتى اليوم مستمراً تجاه مختلف الأحداث، وبيّنَّا مخاوفنا.
* مخاوفكم من ماذا؟
– مخاوفنا هي عبارة عن نصائح؛ لأن تجربة سوريا شبيهة بتجربة العراق بعد 2003. هذا التنوع الموجود في سوريا هو نفس التنوع الموجود في العراق. فأولاً أن تكون هناك عملية سياسية شاملة تستوعب الجميع وتضمن حقوقهم والحفاظ على متبنياتهم ومعتقداتهم. كذلك أن يكون هناك موقف واضح ضد التطرف والإرهاب والعنف، وأن يكون هناك موقف واضح أيضاً من «داعش» الذي يمثل خطراً، ليس فقط على سوريا، وإنما على كل دول المنطقة. كذلك أن نرى سوريا موحدة، وألا يُسمح بأي تدخل أجنبي أو وجود على الأرض السورية؛ لأن سوريا قوية موحدة هي قوة للعراق ولدول المنطقة. هذه كلها تصب في صالح الشعب السوري.
أيضاً استعدادنا للتعاون الاقتصادي. ما بين العراق وسوريا جغرافيا وتاريخ ممكن أن نؤسس عليهما لمزيد من التعاون وتطوير العلاقة الثنائية. بدأنا بدراسة إحياء أنبوب النفط العراقي – السوري لنصل إلى البحر الأبيض المتوسط في بانياس.
أبدينا استعدادنا للمساهمة في إعمار سوريا أيضاً من خلال مؤتمر. اليوم العراق يترأس القمة العربية والقمة العربية التنموية، وبالتالي فهو معنيّ بكل قضايا الأمة العربية، وفي مقدمتها سوريا. طرحنا مبادرة أُقرّت في «إعلان بغداد» لإقامة مؤتمر حوار وطني لكل المكونات في سوريا.
بالتالي العلاقة تسير في هذا الاتجاه، فضلاً عن التنسيق الأمني المتواصل، ولجنة التنسيق كان لها يوم الأربعاء الماضي اجتماع بين القيادات الأمنية العراقية والسورية لتأمين الحدود.
* هل أنتم مرتاحون للتعاون السوري في التنسيق الأمني؟
– نعم. في هذا المستوى هناك ارتياح لدى الجانبين إزاء مستوى تبادل المعلومات والتنسيق الأمني بما يكفي لأمن العراق وسوريا، خصوصاً مع وجود نشاط ملحوظ لـ«داعش»، الذي نشط مؤخراً واستولى على عدد كبير من أسلحة الجيش السوري، وهو يسعى إلى القيام بنشاطات كان آخرها العملية الإرهابية في إحدى كنائس دمشق؛ لذلك لدينا مصلحة مشتركة للمزيد من التنسيق الأمني.
* هل أثرتم مع الجانب السوري أيضاً موضوع المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في إسقاط نظام بشار الأسد؟
– كانت من ضمن الملاحظات مسألة تجنيس الأجانب، وأعتقد هذه قضية تحتاج إلى مراجعة، وفيها تحفظ من الداخل السوري قبل أن يكون من الخارج. هذه الجوانب أوضحناها بكل صراحة وشفافية حرصاً على استقرار سوريا؛ لأننا مررنا بتجارب بعد 2003 كنا على درجة من الحرص على أن تتجنب الإدارة الجديدة الأخطاء التي وقعنا فيها.

* هل كنت تفضّل لو أن سوريا لا تزال تحت سلطة بشار الأسد؟
– هذا ليس رأيي أنا، وإنما رأي الشعب السوري. هو من يقرر ما هو النظام المناسب للدولة السورية.
* هل يمكن أن نرى الرئيس أحمد الشرع قريباً في بغداد، أو نراكم في دمشق؟
– هذه تخضع للظروف.
خطأ الأسد
* متى عرفت أن نظام بشار الأسد انهار؟
– سوريا تعرضت إلى سنوات من المعاناة والاضطراب وعدم الاستقرار. بعد أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من عدوان على لبنان، قراءتنا كانت أن المنطقة ستشهد حالة من الفوضى والارتباك والخلل الأمني. الخاصرة الرخوة كانت سوريا بحكم أن مساحات لم تكن تحت سلطة النظام في حينه، فكان تحركنا ضمن تواصلنا الإقليمي أنه كيف نحافظ على استقرار سوريا منعاً لانهيار الوضع الأمني واستغلاله من قبل عصابات «داعش» الإرهابية، وهذا الخطر الحقيقي.
هذا كان أحد هواجس دول المنطقة، وخصوصاً العراق وتركيا. لذلك بدأنا بمبادرة للتقريب بين تركيا وسوريا من أجل حلحلة بعض الملفات التي تساهم وتدعم الاستقرار. هذا كان في وقت مبكر، واستمرت هذه المحاولات، وكانت هناك رغبة جادة وواضحة من تركيا، وأيضاً قبول حذر من سوريا. محاولات عدة لكن للأسف لم تثمر عن خطوة إيجابية.
* هل أخطأ الأسد بعدم اللقاء مع إردوغان؟
– بتقديري نعم. وهذه ليست محاولة فقط من العراق. حسب ما سمعت من قادة دول المنطقة الأشقاء فإنهم كلهم حاولوا في هذا الاتجاه لتحقيق لقاء ونوع من التهدئة على مستوى المناطق الحدودية التي كانت مضطربة. كان هذا بتقديرنا خطأ. كان يُفترض أن يساهم (اللقاء) في التهدئة وخلق أجواء مصالحة مع كل الجهات الموجودة في الداخل السوري بدلاً من حالة الاضطراب والمواجهة التي لم تخدم أي طرف.
* هل تبين أن المفاتيح لحل الأزمات في المنطقة هي بيد الولايات المتحدة التي كان يقال إنها ترغب في الابتعاد عن الشرق الأوسط للتفرغ للخطر الصيني؟
– تبقى الولايات المتحدة دولة مهمة في علاقاتها مع دول المنطقة، لكن بالتأكيد الدور الأكبر هو لدول المنطقة التي تحدد مصالحها ومسار العلاقات فيما بينها. لا يمكن أن تكون هناك وصفة جاهزة لدول المنطقة لكي تحقق الاستقرار والسلام المستدام. أهل المنطقة أولى بأن يكون بينهم حوار قائم على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل، وأن يكون الحوار والتفاهم هو الأسلوب بدلاً من السعي للدخول في حرب أو إقصاء يهدد الآخر. لا يمكن أن تكون لغة الحرب هي الكفيلة بتحقيق هذا الاستقرار.
* أريد أن أسأل عن علاقات العراق بدول الإقليم، كيف تصفون علاقتكم بتركيا؟
– علاقة قائمة على فهم ووعي بأهميتها، على المستوى الجغرافي والتاريخي والمصالح المشتركة والفرص أمامنا كبلدين جارين مسلمين في منطقة مهمة. بدأنا بالتأسيس لانطلاقة حقيقية لهذه العلاقة من خلال ملفات عدة؛ أمنية، واقتصادية، وأيضاً ملفات ذات اهتمام مشترك، خصوصاً ما يتعلق بالمياه.
في هذه الحكومة أستطيع أن أقول إننا أسسنا لشراكة استراتيجية مهمة مع تركيا، خصوصاً بعدما أطلقنا مشروع «طريق التنمية» الذي يمثل واحداً من أهم الممرات الاقتصادية في المنطقة، وسيعود بالنفع والفائدة على البلدين، ويؤسس لمحور اقتصادي مهم في المنطقة.
حتى على مستوى التعاطي مع مختلف القضايا، كانت المواقف متطابقة في أغلب الأحيان تجاه هذه التطورات. على مستوى المياه، ذهبنا إلى حل استراتيجي للمرة الأولى في تاريخ الدولة العراقية، وهو اتفاقية الإطار الثنائي للتعاون بشأن إدارة ملف المياه، وعُقد ذلك في بغداد أثناء زيارة الرئيس إردوغان. هذه كلها مؤشرات إيجابية لعلاقة طيبة بين البلدين.
الشراكة مع إيران «لا تعني التدخل»
* تحدثتم عن علاقة قوية مع تركيا، هل يمكن أن تصف في سطرين العلاقة مع إيران؟
– علاقتنا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية علاقة شراكة استراتيجية قائمة على مشتركات دينية وثقافية واجتماعية ومصالح متبادلة، وكذلك لإيران وقفة مع العراق والعراقيين في مختلف المحطات، سواء في مرحلة النظام الديكتاتوري أو في مرحلة مواجهة الإرهاب والعملية السياسية. لكن بالتأكيد نحن حريصون على أن تكون هذه العلاقة ضمن إطارها السليم الذي يخدم المصالح المشتركة ويمنع التدخل بالشؤون الداخلية. العراق له استقلاليته وقراره الوطني الذي ينطلق من مصلحة شعبه وأولوياته.
* يعني لا إدارة إيرانية للشأن العراقي؟
– بالتأكيد لا.
* ولا لأي جزء منه؟
– ولا لأي جزء. حتى هذا اللفظ غير مقبول وغير موجود بالقاموس.* لكن من حقي أن أسأل…– طبعاً. حقك. اليوم العلاقة الإيجابية لا تعني التدخل. العراقيون على درجة كبيرة من الحساسية في مسألة استقلاليتهم وحبهم لبلدهم واستقلالية قرارهم الوطني. العراق لم ولن يكون تابعاً لأحد. هذا هو تاريخ العراق.
«لن نقبل بغير حصر السلاح»
* هل تساعدكم إيران في موضوع «حصرية السلاح»؟
– هذا الموضوع موضوع عراقي بحت، وهو جزء من برنامجنا كحكومة، وصوَّت عليه مجلس النواب ووضعنا له خطة. السلاح الذي نتحدث عنه… نحن خضنا حرباً مع الإرهاب طيلة عقدين من الزمن. كانت حرباً بكل ما تعني هذه الكلمة. والحرب مع الإرهاب والعصابات الإرهابية من «القاعدة» و«داعش» ليست حرباً مع جيش نظامي، وإنما كانت تستهدف المواطنين في كل بلد وقرية ومدينة، فهذه الظروف غير المستقرة أدت إلى وجود سلاح ليحمي المواطن في هذه المنطقة أو تلك وصولاً إلى مرحلة مواجهة «داعش».
بعد الانتصار لا بد من إعادة ترتيب أوراق الملف الأمني والإصلاح المؤسساتي الذي تبنيناه من خلال لجنة برئاستنا، ووضعنا حلولاً لكل هذه النقاط الحساسة التي تتعلق بوجود سلاح خارج نطاق مؤسسات الدولة. وهناك خطة واضحة والكل يعلم بها، وهي تنفذ وفق مرسوم.
الشيء الذي نؤكد عليه أننا لن نقبل بوجود أي سلاح خارج نطاق مؤسسات الدولة. هذا واحد من الأركان المهمة والأساسية لبناء الدولة العراقية، وهو رأي ومبدأ مدعوم من كل القوى الدينية. والمرجعية كلامها واضح، ليس فقط البيان الأخير، وإنما كانت طيلة السنوات سابقاً تؤكد هذا المبدأ. هذا الهدف مدعوم من القيادات الدينية ومن القيادات السياسية، وأيضاً مدعوم من أبناء شعبنا. هذا ليس شعاراً، وإنما هدف وضعنا له خطة، وتنفذ وفق ما هو مرسوم لها من قبل الحكومة.
* هل يمكن القول إن حصر السلاح شرط لا بد منه لضمان الاستقرار وجذب الاستثمار؟
– الاستثمار موجود الآن في أفضل حالاته. لأول مرة في خلال عامين تجاوزت الاستثمارات 100 مليار دولار. كنت تحدثت قبل شهر عن 88 مليار دولار. قبل أيام تم تحديث الرقم من قبل رئيس هيئة الاستثمار الوطنية، وأبلغني أننا تجاوزنا 100 مليار دولار خلال عامين، استثمارات عربية وأجنبية موجودة الآن تعمل في العراق. إذن عملية جذب الاستثمارات تمضي في أفق البيئة الموجودة الآمنة المستقرة، بحيث يدخل هذا الرقم الكبير للعراق في ظروف المنطقة غير المستقرة. العراق مستقر متماسك، وأيضاً يطرح فرصاً استثمارية ويستقبل الشركات العربية والأجنبية.
«تسلمنا مطلوبين بالفساد واستعدنا أموالاً»
* الحديث عن الاستثمار يثير رغبتي في السؤال عن الفساد، فهل تستطيع أن تجزم بأن الفساد اليوم أقل، أو أقل بكثير منذ توليك الحكومة؟
– بكل ثقة نعم. نحن كحكومة أوقفنا الانهيار الذي حصل في استباحة المال العام. تتذكر «سرقة القرن»، أكثر من 3 تريليونات و700 مليار دينار، حصل ذلك في زمن الحكومة السابقة. هذه الكتلة النقدية سُرقت أمام مرأى ومسمع من الدولة العراقية بأجهزتها الأمنية، وبغطاء رسمي للأسف حصلت هذه السرقة.
* لكن ألم تكشفها الحكومة السابقة؟
– طيلة 8 أشهر كانت تُسرق الأموال أمام مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية. لكن عندما يختلف السارقون فيما بينهم في توزيع الحصص، يثير أحدهم هذه الأزمة، وعندها لا تتم السيطرة على الأمور. هذا ما حصل في التحقيق الذي أثاره وزير المالية بالوكالة في حينه، وهو الآن أيضاً تحقيق مستمر وفيه شخصيات رسمية من قبل الحكومة السابقة مع موظفين آخرين وتجار مطلوبين.
أقول هذا واحد من الأمثلة الصارخة للفساد الذي حصل. اليوم أوقفنا هذا الانهيار. أوقفنا استباحة المال العام بهذه الطريقة، لكن بالتأكيد لا يزال أمامنا الطريق طويلاً حتى نقضي على الفساد بشكل نهائي.