الأخبار العاجلة

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن الوقاية من النفاق

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن الوقاية من النفاق
بقلم \ الكاتب و المفكرالعربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
مما لا شك فيه أن جلود الذين آمنوا تقشعرّ حينما تُلامس أسماعهم الآيات التي تصفُ أرباب النفاق، وأنهم في الدرك الأسفل من النار، ويزداد الخوف حين يستحضر المؤمنون خفاء النفاق وقدرته على التسلل إلى النفوس على حين غرة، ليتغلغل في الحواس ويعشّش في القلوب حتى يُفسدها، ويُذهب رونقها.
ويتعاظم الخوف أكثر بسماع بعض الأخبار والآثار عن السلف كقول ابن أبي مليكة: “أدركت كذا وكذا من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -، ما مات رجل منهم إلا وهو يخشى على نفسه النفاق” فيقول الواحد منّا: إذا كان أهل خير القرون وأفضل أتباع الأنبياء قاطبةً يخشون على أنفسهم النفاق، فكيف بحالنا نحن الذين خلطوا عملاً صالحاً، وآخر سيئاً؟.
ليس المهم هنا: الوقوف عند حدود هذا الخوف، ومجرّد استشعار خطره، والتباكي على حال من وقع في حباله، ولكن الأهم: الاستنارة بالطرق التي يُمكن من خلالها تحقيق الحصانة والوقاية من أصل النفاق ومن أمراضه المُصاحِبَة؛ فلذلك كانت هذه الكلمات هداياتٍ على طريق الإيمان وتحذيراً من النفاق، ببيان طرق الوقاية منه، وهو أفقٌ واسعٌ للتدبّر والتفكّر قد يشملُ أركان الشريعة كلّها، ونجمله فيما يأتي:
تعميق شجرة الإيمان في النفوس:
الإيمان والنفاق ضدّان لا يجتمعان، وليس بينهما نطاقٌ مشترك، بل يختلفان كل الاختلاف من حيث الأصل والطبيعة والأثَر، فإن زادت مادة الإيمان في القلب قلّ معها أثر النفاق، كالكوبِ الفارغ تصبّ فيه الماء، فكلّما زادت نسبتُه خرجَ معه الهواء الذي كان يملأ الكوب، حتى يمتليء تماماً.
كذلك العلاقة بين الإيمان والنفاق، يتزوّد الإنسان بالعمل الصالح الذي يُزكّي نفسه، ويُطهّر روحه، فتخبو جمرة النفاق حتى تنطفيء، والإيمان محبّة الله وطاعته، واتّباع أوامره واجتناب نواهيه، والنفاق تسخطٌ وكراهيةٌ لما أنزله الله، واتباعٌ لغير سبيل المؤمنين، نجدُ هذه الموازنة في طيّات القول الربّاني: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم* فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم* ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} (محمد:25-28).
الدعاء
الدعاء سلاحُ المؤمن، وملاذه الآمن، به يستعيذ بمن له مقاليد السماوات والأرض، والله يُحبّ من عباده أن يدعوه، وتكفّل لهم بالاستجابة:{وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (غافر:60).
فإذا كان هذا حال الدعاء، كان حريّاً بالمؤمن أن يمدّ أكفّ الضراعة إلى خالقه ومولاه، يسأله أن يُثبّته على الدين، ويعيذه من طرائق الكفار والمنافقين، وأن يقيه شرّهم، ويؤمّنه مكرهم، ولنا عبرةٌ في قصّة التابعي الكبير جبير بن نفير حيث قال: دخلت على أبي الدرداء رضي الله عنه منزله بحمص، فإذا هو قائمٌ يصلّي في مسجده، فلما جلس يتشهّد جعل يتعوّذ بالله من النفاق، فلما انصرف قلت: غفر الله لك يا أبا الدرداء، ما أنت والنفاق؟ فقال: “اللهم غفراً –ثلاثاً-، من يأمن البلاء؟! من يأمن البلاء؟! والله إن الرجل ليُفْتَتن في ساعة فينقلب عن دينه”.
وإذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- كثيراً ما يدعو في صلاته وفي خارجها فيقول: (يا مقلّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك) كما رواه الترمذي وغيره، فإن من لوازم الثبات على دين الله، سؤال الله تعالى التحصين والوقاية من النفاق وأعراضه وأمراضه، وهو من أسمى المطالب التي ينبغي أن يطلبها العبد من ربّه تبارك وتعالى.
كثرة ذكر الله وقراءة القرآن
ما نافق من نافق، إلا بسبب مرض الغفلة والبُعد عن الله تعالى، وهذه الغفلة تولّدت من قلّة ذكر الله سبحانه وتعالى، كما جاء وصف المنافقين في القرآن الكريم، فلا تنتهض همّتهم لممارسة الذكر على وجهِ النافلة والتعبّد، وإذا اضطرّوا للصلاة أمام الناس، يقتصرون على أقلّ ما يمكن من الأذكار، يُسارعون في صلاتهم لتُصبح لعباً وعبثاً مشوّهاً، كما وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا) رواه مسلم.
إذا عُرف ذلك، كان الإكثار من الذكر -وأعظم الذكر كلام الله المنزّل على رسوله-أمانٌ من النفاق؛ لأن الذكرَ استحضارٌ للخالق جلّ وعلا واستشعارٌ لمراقبته في السرّ والعلن، لتستوي سريرته وعلانيّته ويتلاشى التنافر والتضاد الذي يعايشه القلب المنافق، وهذا واضحٌ لمن تأمّله.
قال ابن القيم: “إن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق؛ فإن المنافقين قليلوا الذكر لله عز وجل، قال الله عز وجل في المنافقين: { ولا يذكرون الله إلا قليلا} (النساء:142)، وقال كعب: من أكثر ذكر الله عز وجل برئ من النفاق. ولهذا ـ والله أعلم ـ ختم الله تعالى سورة المنافقين بقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} (المنافقون:9)، فإن في ذلك تحذيرا من فتنة المنافقين الذين غفلوا عن ذكر الله عز وجل فوقعوا في النفاق. وسئل بعض الصحابة رضي الله عنهم عن الخوارج: منافقون هم؟ قال: لا، المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا. فهذا من علامة النفاق ، والله عز وجل أكرم من أن يبتلي قلبا ذاكرا بالنفاق، وإنما ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله عز وجل”.
حب صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-
جُبلت النفس على محبّة من كان فاعلاً في الحقّ مقيماً له، ومن هنا تمتليء النفوس بمحبّة صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؛ فلولاهم ما وصل الدين إلينا، وما قامت دولة الإسلام، فهم الذين رووها بدمائهم وافتدوْها بأرواحهم، فكان حُبّهم إيمان، وبغضهم نفاق.
وهذه المحبّة الشرعيّة هي من لوازم الإيمان ومن أوثق عُراه، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده، وبذلك يمكن القول أن الوقاية من النفاق إنما تكون بمحبّة الصحابة رضي الله عنهم، ويشمل ذلك محبّة الأنصار، والمهاجرين، ومن ورد في حقّهم النصّ الخاص كعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين.
أما الأنصار، فقد ربط النبي –صلى الله عليه وسلم- الإيمان بمحبتهم، وربط النفاق ببغضهم، لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه، والقيام بأمرهم ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم، وإيثارهم إياهم في كثير من الأمور على أنفسهم، وجاء الربط بين محبّتهم والإيمان صراحةً، في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة وأزكى السلام قال: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار) متفق عليه.
وأما المهاجرون، فهو ما يمكن فهمه من الحديث السابق واستحضار العلّة التي لأجلها كانت محبّتهم علامةً للإيمان، يوضّح ذلك الحافظ ابن حجر فيقول: “جاء التحذير من بغضهم والترغيب في حبّهم حتى جعل ذلك آية الإيمان والنفاق، تنويهاً بعظيم فضلهم، وتنبيهاً على كريم فعلهم، وإن كان من شاركهم في معنى ذلك مشاركاً لهم في الفضل المذكور، كلٌّ بقِسطِه، وهذا جار باطّراد في أعيان الصحابة، لتحقق مشترك الإكرام”.

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial