طُبعت تجربة ستاينر مبكراً بجذوره الإثنية واللغويّة والطبقيّة، فلم تغادره قطّ. فقد ولد بباريس لأسرة يهوديّة نمساويّة، وكان والده خبير استثمار مالي مرموقاً في البنك المركزي بفيينا، وصهيونياً علمانياً، لكنه رفض الهجرة إلى الأرض المقدّسة بعد الأجواء الكئيبة التي جلبتها الحرب العالميّة الأولى، وفضّل الانتقال بالعائلة إلى فرنسا عام 1924. هناك، كان ستاينر الابن (ولد 1929) أحد تلميذين يهوديين اثنين في مدرسته في أثناء تلك الفترة القاسية على اليهود الأوروبيين وموجة العداء للسامية. ولاحقاً، هاجرت عائلته إلى الولايات المتحدّة عشيّة سقوط باريس عام 1940، والتحق هناك بجامعة شيكاغو، بصفتها كانت أقل المؤسسات الأكاديمية الأميركيّة المرموقة عنصريّة تجاه اليهود المتأمركين.
ورغم إيمانه بقدرة الآداب والفنون على التحليق بالروح البشريّة، فإنّه كتب (1967) أنها فشلت بردع النازيين عن الشروع في المحرقة اليهوديّة: «لقد أتينا بعد (الهولوكوست)، ونحن نعلم الآن أن الإنسان يمكنه قراءة غوته أو ريلكيه في المساء، أو الاستماع لباخ أو شوبيرت، ثم يمضي صباح اليوم التالي إلى عمله في معسكر أوتشتفيز (أشهر معسكرات الاحتجاز الألمانيّة خلال الحرب العالميّة الثانية)». وقد شكك بالدوافع الأميركيّة لحرب فيتنام، لكنّه بقي دوماً صهيوني الهوى، مجادلاً بأهميّة فكرة وجود (إسرائيل) في العالم، رغم كلّ المذابح التي تعرّض لها الفلسطينيون والعرب على أيدي الإسرائيليين المنتسبين إلى ضحايا «الهولوكوست».
وبجوار ميراثه اليهوديّ، فإن تنوّع اللغات المحكيّة في بيت عائلة ستاينر بين الألمانيّة والفرنسيّة والإنجليزيّة -بحكم الهجرات المتتالية- منحه قدرة فائقة على التنقل بسهولة بين فضاءات تلك الثقافات الثلاث المهيمنة على عقل العالم الحديث، دون أن يخضع لأي منها. ولذا، فإنّه أدى دوراً مهماً في كسر عزلة البريطانيين، وعرّف أجيالاً من تلامذة الجامعات وقراء المجلات والصفحات الأدبيّة الأنغلوفونيّة الكبرى (نيويوركر، وإيكونيميست، وصانداي تايمز، وملحق التايمز الأدبي، ومجلّة لندن لمراجعات الكتب، وأسبوعيّة الأوزيرفر) على أعمال مفكرين ومثقفين وأدباء من الصفّ الأوّل في المشهد الثقافي الأوروبي، أمثال: بول ريكوار، ووالتر بنجامين، وثيودور أدورنو، وتوماس بيرنهارد، وجان ستاروبنسكي، وغيرهم.