الأخبار العاجلة

اسـتوقفني مـوقفُ الـكاتبةِ الإيرانية الـمعارضة سـحر دلـيجاني، صـاحبةِ روايـة “أطـفال شـجرة الــــجاكاراندا

بـــقلم د مـنتصر صباح الـــحسناوي – اسـتوقفني مـوقفُ الـكاتبةِ الإيرانية الـمعارضة سـحر دلـيجاني، صـاحبةِ روايـة “أطـفال شـجرة الــــجاكاراندا

وأنا أطالعُ المواقفَ التي رافقت الأحداثَ الأخيرة بين إيران والكيان، استوقفني موقفُ الكاتبةِ الإيرانية المعارضة سحر دليجاني، صاحبةِ رواية “أطفال شجرة الجاكاراندا”، التي تُرجمت إلى أكثرِ من ثلاثين لغة.
وُلدَت سحر داخل سجن إيفين بطهران، حيث كانت والدتها معتقلة وهي حامل بها، بينما كان والدُها في زنزانةٍ أخرى وعاشت سنواتها الأولى في ظلالِ القيدِ والمنفى، لكنها ومن الولايات المتحدة كان موقفها، حين احترق جدار وطنها، بياناً أخلاقياً ناصعا.
قالتها بوضوح: “نختلف مع النظام، نعم، لكن لا نقبل أن يُقصفَ وطننا. القنابلُ لا تجلبُ الحرية بقدر ما تجلبُ الخراب.”
عندما يشتعلُ الحريق في البيت لا يُسألُ الأبُ عن أخطاءِ أبنائه، ولا يسألُ الأبناءُ من أشعلَ أولَ عودِ ثقاب، في تلك اللحظة يصبحُ الماءَ أثمنَ من العتاب وتصبح الأيدي التي تمتّد لإخماد النارِ أعظمَ من أي خطاب.
هكذا تفعل الأوطان حين تهتّز جدرانها، تجمع أبناءها في خندقٍ واحد مهما تقاطعوا واختلفوا.
هذا الشعور هو ناموس الأوطان الحيّة وقد رأيناه هنا، في العراق بعد كثيرٍ من الاخطاء، فيوم اجتاح داعش مدننا، لم يكن هناك متسع لأسئلة السياسة ولا مكان لترف الانقسامات.
توحد الجميعُ تحت راية واحدة اسمها العراق، الجيش والمؤسسات الأمنية ، الحشد، البيشمركة، وأبناء العشائر.
فالأوطان لا تُختصر بحكومات ولا بأنظمة، الأوطان، هي الظل الذي نحمله من الميلاد إلى الغياب. الأنظمة تُنتقد وتُعارض وتُبدل، أما الوطن اذا ما تهاوى لا تعيده قوة، ولا يعيد بناءهُ مؤتمرٌ، ولا توقيعٌ، ولا بيان.
مكيافللي أشار إلى ذلك في كتابه “الأمير”، حين تحدث عن استدعاء الخطر الخارجي لتوحيد “الداخل” بهدف السيطرة، لكنه يكون وعياً زائفاً حين يُستخدم للإخضاع ويصبح طاقة حضارية حين يتحول إلى مشروع وعي يبني مؤسساتٍ قوية، ويدفع المجتمعات نحو النهوض.
هنا يتبادر السؤال: لماذا لا يتحول هذا الشعور الذي نحسنه في وجه الخطر إلى مشروع دائم؟
لماذا لا نتوحدُ من أجل البناء، كما نتوحد من أجل القتال؟
لماذا نحتاج إلى صاروخ يسقط فوق رؤوسنا كي ندرك أن ما يجمعنا أكبر مما يفرقنا؟
تلك هي معركة الوعي..
أن نفهم أن الدفاع عن الوطن لا يكون فقط في الجبهات، وإنما في التعليم وفي المجتمع وفي الثقافة يكون أولى، لإنقاذ الوطن من الفقر والجهل والفساد بحجم إنقاذه من صاروخ يسقط أو عدوٍ يتقدم.
الأوطان تبقى.. لأن الذين يهرعون لإطفاء النار، هم وحدهم الذين سيجلسون يوماً على عتبة البيت، يحكونَ للأبناء ِكيف حافظوا عليه.

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial