الوكالة الغربية للانباء
نهضة علي طبعها الهادئ وفيض حنانها الذي لا تخطئه العين، لا يخفي الحزن المتأصل فيها فقط، إنما يخفي إرادة وشجاعة كبيرتين، وإصراراً على بث الحياة في ما حولها. وبالرغم من الموت الذي خبرته مبكراً واختطف كثيراً من أحبتها، أصرّت «أم علي» على توفير المأوى والحماية لـ 26 شاباً تمكنوا من النجاة من مصير إخوتهم بمعسكر سبايكر، وضمتهم كأم رؤوم وخبأتهم بعيونها.
ناجون من الموت –
أم علي التي أعدم الطاغية زوجها عام 1983وبقيت وحيدة مع اربعة اولاد تلقت اتصالاً من «أم قصي» قريبة زوجها الثاني. أخبرتها أم قصي أنها آتية إليهم مع عائلتها من محافظة صلاح الدين التي كانت حينها تحت قبضة إرهاب الدواعش.وحين وصلت العجلة التي تقل أم قصي (المرأة التي أنقذت ناجين هربوا من معسكر سبايكر)، فوجئت أم علي بترجل 26 شاباً من العجلة بالاضافة إلى عائلة قريبة زوجها وبناتها وكناتها مع الأطفال، وحين استفسرت من أم قصي عن الشبان الذين لا يبدو أنهم من أقربائها، همست لها وهي تتلفت خشية أن يسترق أحد ما السمع: إنهم جنود نجوا بحياتهم من مجزرة سبايكر واحتموا بها.. أخبرتها قريبة زوجها أنها مستعدة للتضحية بحياتها وحياة عائلتها لحمايتهم وهي تأمل من أم علي أن تؤويهم لحين تدبير وسيلة يصلون من خلالها إلى أهاليهم سالمين.
زوج معدوم
شعرت أم علي بعظم المسؤولية وحجم الخطر الذي يحدق بها، لكنها لم تصمد أمام رجاء قريبتها واحساس الأمومة تجاه هؤلاء الشبان، استذكرت حينها كيف وجدت نفسها وحيدة من دون حماية بعد إعدام زوجها.. استذكرت رفض أمها لها خشية من ملاحقة أزلام النظام المتوحش لأخيها الضابط في الجيش بتهمة إيواء عائلة «خائنة».. استذكرت كيف أن بيوت الأقارب رمتها إلى قارعة الطريق وتركوها وحيدة تكافح من اجل أطفال وجدوا أنفسهم فجأة في العراء.. تقول أم علي إنها مع إحساسها بالخطر المحدق بها وبعائلتها لاسيما ان كركوك كانت اوضاعها مضطربة في تلك الفترة والدواعش متواجدين في كل مكان، لكن مشاعر الأمومة تغلبت على خوفي فاحتضنت الشباب وقدمت لهم المأوى والمعونة الممكنة.. أضافت ببساطتها وصوتها يفيض حناناً: طمأنتهم بعد ان احسست بانهم متوجسون وقلقون من وجودهم في بيتي وأجبت عن تساؤلاتهم بشأن ما رأوه خليطاً من الناس في بيتي، إذ وجدوا من يتكلم العربية ومن يتحدث الكردية ومن تشير سحنته وهيأته إلى أنه تركماني. تضيف أم علي، ان الشبان وبعد اطمئنانهم حدثوني بمرارة عما مر بهم من مواقف حتى نجوا من الموت، وروى لي أحدهم كيف أنه ادعى الموت مختبئاً تحت الجثث لكي لا يقتله المجرمون الدواعش فقلت لهم: ولدي انتو بحماية الله وهاي «الشيلة».. بعدها اتصلوا بأهلهم وناموا آمنين.
تأمين الطريق
استضافت أم علي الشبان في بيتها خمسة ايام برغم الظروف الامنية السيئة، وكانت تستعلم عن الطرق الآمنة، وحين تأكدت من ذلك أخذتهم إلى الكراج وزودتهم بأجرة النقل ليصلوا امنين الى عائلاتهم، وحرصت على الاتصال بهم ساعات الطريق.لم يغادرها القلق إلا حين بدأت تتلقى رسائل الشكر من أهالي الشبان الذين وصلوا آمنين..أم علي فخورة بصنيعها، ولم تندم أنها ساعدت شباناً لا تعرف عنهم سوى أنهم عراقيون بالرغم من أن الدواعش علموا لاحقاً بقصتها واقتصوا من زوجها «أبو عمر» بخطف ثلاثة من أولاده من زوجته الأولى.. تقول مختتمة: لعل الله أراد أن افتدي 26 شاباً بالتضحية بثلاثة من أبنائي.يشار إلى أن السيدة روناك مصطفى عقيلة رئيس الجمهورية فؤاد معصوم منحت «أم علي» درع العراق تثميناً وتقديراً لشجاعتها ووطنيتها.