نـــظرة الإســـلام إلى مـــفهوم الـــسعادة
الغربية – قلم م.م. زينب جــاسم الــخفاجي
تدريسية في جامعة بغداد/ كلية التربية ابن رشد للعلوم الانسانية
“لا تكثر من الشكوى فيأتيك الهمّ ولكن أكثر من الحمد تأتيك السعادة”
إن مفهوم السعادة يتمثل بأنه شعور داخلي يشعر به الإنسان يتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير والبال وذلك نتيجة حتمية لاستقامة السلوك الظاهر والباطن المدفوع بقوة الإيمان.
والسعادة في المنظور الإسلامي لا تقتصر على الجانب المادي فقط، وإن كانت الأسباب المادية من عناصر السعادة، لان الجانب المادي وسيلة وليس غاية فالسعادة لها جانب معنوي كأثر مترتب على السلوك القويم وهذا ما أشار إليه نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم): (من سعادة ابن آدم, المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح ).
ولقد جاء الإسلام بنظام شامل فوضع للإنسان من القواعد والنظم ما يرتب له حياته في الدنيا و الاخرة، وبذلك ضمن للإنسان ما يحقق له جميع مصالحه والمتمثلة في الحفاظ على (النفس، والعقل، والمال، والنسل، والدين), فالسعادة من وجهة نظر الإسلام تشتمل على مرحلتين هما: السعادة الدنيوية, شرع الإسلام الأحكام والضوابط ما يكفل للإنسان سعادته الدنيوية في حياته الأولى، إلا أنه يؤكد بأن الحياة الدنيا ليست هي إلا سبيل إلى الآخرة، وأن الحياة الحقيقية التي يجب أن يسعى لها الإنسان هي الآخرة قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97]. أما المرحلة الثانية تتمثل بالسعادة في الاخرة : وهذه هي السعادة الدائمة الخالدة وهي قائمة على صلاح المرء في حياته الدنيا قال الله تعالى:﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 32].
وكثيرًا ما يفكر الإنسان في أمر سعادته وهناك من يتصور أنها قد تأتيه من جمع المال أو المنصب أو الدرجة العلمية أو الوجاهة الاجتماعية، ولكن مفهوم السعادة أكبر من ذلك لأن السعادة الحقيقية تعتمد على عدة أمور منها نقاء الضمير والإرادة الخيرة التي تجعل صاحبها مطمئنًا واثقًا بنفسه، وأن السعادة في التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، واخيرًا السعادة تتمثل بتواضع وعشرة طيبة وتعاون بين الإنسان والآخر.
وباب السعادة لا يمكن أن يدخله من كان يرى السواد في كل شيء، والفشل في كل أمر، فهذا بعيد عن السعادة، وإنما مفتاح ذلك الباب هو التفاؤل، فسرطان السعادة القاتل هو اليأس، ولم يعرف التاريخ تفاؤلًا كما عرفه العرب والمسلمون؛ فالإسلام جاء ليضفي السعادة على البشر أجمع فكانت تعليماته كلها تصب في بحر التفاؤل، والدليل على ذلك أنه من أحد تعريفات العلماء للسعادة: “أن يجد الإنسان نفسه ويتصالح معها لذلك كان من أهم أسباب التعاسة أن الإنسان لا يجد نفسه ولا يعرف أين موقعه في المجتمع ومن هو، وما هي مكانته، وماذا يستطيع أن يقدم”.
فالقرب من الله هو سر السعادة، وأقصر طريق للوصول إليها على عكس البعد عنه قال تعالى: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى”
وعندما يكون ما تفكر فيه وما تقوله وما تفعله في انسجام فهو سعادة، فالسعادة ليست شيئًا جاهزًا لكنها تأتي من أفعال الإنسان الخاصة والصيغة الرياضية للسعادة “الواقع مقسومًا على التوقعات”.
ختامًا لا يسعني إلا أن أقول السعادة لا تعني أن تُحقق الخوارق بل إن هنالك أشياء بسيطة تصنعُ السعادة فلا تستصغر نفسك! ففي رضا أبويك سعادة، وفي استغفارك من الذنب سعادة لو تأملته، وفي الطاعة سعادة فالسعيد هو من ينجح في علاقته مع ربه واستقامة الجوارح والقلب ظاهرًا وباطنًا، بالمواظبة على الواجبات واجتناب النواهي والسعادة هي نجاح الفرد في علاقته مع نفسه فيكون ناجحًا في عمله وفي دراسته وفي كل جوانب الحياة التي يخوضها, والسعادة هي النجاح في العلاقة مع الآخرين فبناء العلاقة الطيبة مع الزوج ومع الأسرة والأهل والأصدقاء هي من متممات السعادة الحقيقية, وأن في شكر الله عز وجل تدوم النعم ويشيع الأمن ويزول كل خوف وقلق، وبذلك تتحقق سعادة المسلم، لأن اختلال نفسية الإنسان يعد سببًا لاختلال السعادة في قلبه فعليه أن يكون شاكرًا لله في الأحوال كافة لينال السعادة وفضلها.
فالسعادة انجازات صغيرة تصنع بحب.