الأخبار العاجلة

المؤتمرات.. أدوات فاعلة في صناعة المجال الحيوي

بــقلم – مـنتصر صباح الــحسناوي – الـــمؤتمرات -أدوات فـاعلة في صـناعة الـمجال الــحيوي

تــستعد بـغداد لـــ أستضافة مؤتمر القمة العربية وسط لغط متصاعد يعكس فجوة حقيقية بين بعض التصورات المجتمعية وأبعاد العمل السياسي المعاصر.

هناك من يظن أن المؤتمرات مجرد مشهد بروتوكولي عابر لا تأثير له على موازين القوة أو مصالح الشعوب، مع انعدام للثقة فيما يصدر عنها من توصيات اعتاد الناس النظر إليها بوصفها تنظيراً بعيداً عن التنفيذ.

غير أن الواقع أن أهداف المؤتمرات لا تتوقف عند تلك التوصيات، بغض النظر عن مدى تطبيقها وانما تتجاوزها لتكون معزّزاً رئيساً لأدوات النفوذ السياسي ووسيلة فاعلة لصناعة المجال الحيوي للدول. في عالم اليوم لم تعد الجغرافية وحدها كافية لحماية المصالح أو توسيع النفوذ.

“القوة الــناعمة” بمختلف أدواتها باتت عنصراً أساسياً في معادلات الصراع والتعاون و “المؤتمرات الكبرى” ، بأنواعها ( السياسية والثقافية والاقتصادية، العلمية …. ) تندرج ضمن هذه الأدوات بوصفها ساحات للتفاوض ومنصات لترويج الرؤى وطرح الدول بوصفها فاعلاً دولياً، وفرصاً لبناء تحالفات تتجاوز الحسابات الضيقة. دول كثيرة أدركت هذه الحقيقة مبكراً.

فرنسا استثمرت المؤتمرات الثقافية العالمية لترسيخ مكانتها كمرجعية فكرية وإنسانية، مما منحها وزناً يتجاوز حدود قوتها العسكرية والاقتصادية.

سياسة اقـــليمية

الإمارات العربية المتحدة استخدمت المؤتمرات الاقتصادية والثقافية والبيئية، مثل “إكسبو دبي” ومؤتمرات الطاقة والاستدامة، لبناء صورة عالمية حديثة وجذب استثمارات وشراكات استراتيجية نقلتها إلى موقع متقدم في السياسة الإقليمية والدولية.

وفي المجال البيئي، تحولت مؤتمرات المناخ إلى ساحات تتنافس فيها الدول على قيادة الأجندات العالمية، حيث نجحت دول مثل السويد والبرازيل وكندا في استخدام خطاب حماية البيئة لتعزيز حضورها الدبلوماسي وتحقيق مكاسب سياسية لم تكن متاحة عبر الوسائل التقليدية.

المؤتمر، أياً كان موضوعه هو فرصة استراتيجية لعرض صورة الدولة في وعي الشعوب وبناء شبكات تأثير تتجاوز موضوع المؤتمر نفسه وتمتد إلى حيث لا تصل الأسلحة أو التحالفات العسكرية.

بل يمكن القول إن المؤتمرات اليوم أصبحت بمثابة “معارك سلمية”، تخوضها الدول بعقولها وخطابها وتحالفاتها الناعمة، لا بجيوشها وأساطيلها.وبذلك تصنع وزناً سياسياً بوسائل سلمية وتفتح أبواب التنمية، وتقلل من فرص العزلة وتوسع قدرة الدولة على المبادرة بدل الاكتفاء بردّ الفعل.إن استضافة بغداد للقمة العربية حدث يتجاوز حدود العراق الداخلية.إنه إعلان عن استعداد العراق لتعزيز دوره كمؤثراً حيوياً وطرفاً محورياً في إعادة صياغة أولويات العمل العربي المشترك.

بهذا المعنى فإن قمة بغداد لا تعني مجرد اجتماع قادة بقدر ما هي فرصة لبناء تصورات جديدة لدور العراق في محيطه وصناعة شبكات من المصالح المشتركة التي تحصنه أمام التقلبات، وتمنحه مجالاً أوسع للتحرك الإقليمي والدولي لإدارة مصالحه.

كذلك، فإن المؤتمرات ولا سيما السياسية منها، تتيح للدول فرصة لتحريك ملفات مجمّدة عبر الحوارات الجانبية وفتح قنوات تفاوض خلف الكواليس.وهي أبعاد قد لا تظهر في سطح الأحداث لكنها تصنع أثراً تراكمياً بالغ الأهمية مع مرور الزمن.

من الناحية “الجيوبولتيكية” كل مؤتمر دولي كبير يقام في بلد ما يعزّز موقعه بوصفه نقطة التقاء لا نقطة تصادم، ويخلق بيئة اتصالات جديدة ويفتح المجال لبناء تحالفات مرنة ويجعل من الدولة محطة ضرورية في الحسابات الإقليمية بدل أن تكون مجرد هامش يُدار من بعيد.

اعـــادة صــياغة

بغداد، بما تحمله من رمزية تاريخية، وبما تملكه من ثقل سكاني واقتصادي وثقافي، تملك اليوم فرصة حقيقية لترميم علاقاتها وإعادة صياغة صورتها الإقليمية كشريك فاعلاً في صناعة المستقبل العربي.

وفي عالم يتجه بسرعة نحو بناء كتل سياسية واقتصادية وثقافية متشابكة، لا مكان للانعزال ولا مستقبل لمن لا يمتلك أدوات الحضور الفاعل.

إن نجاح قمة بغداد لن يُقاس بعدد الكلمات التي تُلقى، ولا بعدد الصور التي تُنشر وانما بالأثر الذي تتركه في عقول القادة، وفي حسابات الدول والشعوب، وفي مستقبل العلاقات العربية – العربية، والعربية – الإقليمية.

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial