الأخبار العاجلة

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن الحقوق السياسية للمرأة

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن الحقوق السياسية للمرأة
بقلم \ الكاتب و المفكرالعربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
تمثِّل قضية المرأة سؤالاً كبيرًا يطرحه النموذجُ الثقافي الغربي على النماذج الثقافية المغايرة في عالم اليوم، وفي مقدمتها النموذجُ الثقافي الإسلامي؛ وذلك في محاولة منه لإحراجها ودفْعها نحو الإحساس بالدونيَّة، ومن ثَمَّ الاستعداد للتنازُل عن خصوصيَّتها، وتقبُّل الطرح الغربي كما هو، دون أي تمحيصٍ أو تعديلٍ أو نقدٍ.
وقد حَظِي النموذج الثقافي الإسلامي باتهامات شتَّى، أقلُّها هضْم حقوق الإنسان بشكل عام، والاعتداء على حقوق المرأة وامتهان كرامتها بشكل خاص[1].
وسوف نناقش الحقوق السياسية للمرأة في ظل الشريعة الإسلامية من خلال النقاط التالية:
1- الرؤية الإسلامية والرؤية الغربية:
إن معرفة الرؤية الإسلامية من قضية المرأة، يتطلَّب معرفة الأُسس المعرفية والمفاهيم الخاصة بها؛ لتقديم تصوُّر كلي يواجه التصورات الوضعية، دون أن يُهملها أو يتجاهلها، ولا سيما أن الإطار المعرفي الإسلامي يتضمَّن المطلق، ويَنطلق من عقيدة مرتبطة بوحي، وهو ما يُميزها عن الإطار المعرفي العلماني الذي يتأسَّس على النسبية، وإخضاع كل الظواهر للقياس، واستبعاد الدين من المنهج، واعتباره موضوعًا من موضوعات الدراسة، لا منطلقًا للعلم والمعرفة، وهذا الاختلاف بين الإطار المعرفي للنموذج الإسلامي والنموذج الغربي، أدَّى إلى اختلاف السلوكيات الإنسانية والقوانين التي تُنظمها.
وتقوم الرؤية الإسلامية على ثلاثة مفاهيمَ كُليَّة، هي[2]:
1- التوحيد:
يشكِّل جوهر العقيدة الإسلامية، ومنطلقَ بناء حضارتها، الأمرُ الذي يستوجب أن يكون تحديد المنهج والمفاهيم السياسية الإسلامية موصولاً بهذه القاعدة العقدية الأساسية، التي تحدِّد رؤية الكون، ومناهج التفكير، ومسالك التفاعل الاجتماعي.
2- الاستخلاف:
يرتبط الإقرار بالتوحيد بقيام الإنسان بعمارة الأرض، وبالتالي استحقاق المنزلة التي لا تَعلو عليها سوى منزلة الله، ودونها كل منزلة لغيره من المخلوقات، والإنسان مكلَّف، تَضبِط حركتَه شريعةٌ مصدرُها الوحيُ، ثم يُرَد إلى الله بعد الموت؛ ليسأله عن أدائه للأمانة وقيامه بالخلافة، وبذلك يَرتبط مفهوم الاستخلاف بالمفاهيم الإسلامية الأخرى، وأبرزها مفاهيمُ العبادة والعمارة والأمانة، التي تحدِّد رؤية الإنسان ووظيفته في هذا الكون.
3- السُّنن:
وهي مجموعة القوانين التي سنَّها الله في الكون والأنفس، ولا يستطيع الإنسان القيام بأمانة الاستخلاف إلا بالتعرُّف عليها، وتسخيرها في عمارة الكون، وهذه السنن تنقسم إلى سُنن كونية تَحكم نواميس الطبيعة، وسنن فطرية تحكم الإنسان بكونه فردًا، كما تحكم الاجتماع الإنساني وحركة المجتمعات، وسنن ثالثة تُدعى سنن التكليف التي تنسجم مع ناموس الكون والفطرة الإنسانية، وتُبيِّنها أحكام الشريعة الإسلامية أمرًا ونهيًا وتوجيهًا، وتتَّضح أهمية المفاهيم الكلية الثلاثة في فَهم الرؤية الإسلامية لعمل المرأة السياسي عند مقارنتها مع الرؤية الغربية العلمانية؛ إذ إنها قامت في جذورها النصرانية على فكرة التجسيد؛ أي: تجسُّد الرب في المسيح الابن، وفكرة الثنائية؛ أي: انقسام العالم إلى دنيا وآخرة، والإنسان إلى جسد ورُوح، والواقع إلى دين ودولة، مع تقديم أحد الطرفين على الآخر؛ مما أدَّى إلى ظهور حركات تنطلق من هذه المفاهيم الغربية العلمانية، تُعلي من شأن المرأة، وتحطُّ من شأن الرجل، باعتباره عدوًّا لدودًا لها، لا تربطه بينه وبينها إلا علاقات الصراع والعداء والمبارزة.
تاريخ مشاركة المرأة في العمل السياسي في الإسلام:
في معظم الأحيان نقصر العمل السياسي على الترشيح والترشح في البلديات، وفي مجالس الأمة، وتولي الوزارات، ونحو ذلك، في حين أن الرؤية الإسلامية للعمل السياسي أشملُ وأوسع وأعمق من هذا بكثيرٍ، وربما استنكر البعض أن يكون العمل السياسي مجالاً تصلح له المرأة ويَصلح لها، ولن نستطيع أن نتقدَّم في الحديث حول هذا المجال، إلا إذا تكلَّمنا عن تاريخ مشاركة المرأة في العمل السياسي بمفهومه الواسع على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم[3].
فها هي النساء تهاجر إلى المدينة بنص القرآن الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾ [الأحزاب: 50].
وروى البخاري بسنده عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سمِع مروان والمِسْوَر بن مَخرمة – رضي الله عنهما – يُخبران عن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: لَمَّا كاتَب سهيل بن عمرو يومئذٍ، كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي – صلى الله عليه وسلم -: أنه لا يأتيك منَّا أحد وإن كان على دينك، إلا ردَدتَه إلينا، وخلَّيت بيننا وبينه، فكَرِه المؤمنون ذلك، وامتعضوا منه، وأبَى سهيل إلا ذلك، فكاتَبه النبي – صلى الله عليه وسلم – على ذلك، فردَّ يومئذٍ أبا جندل على أبيه سهيل بن عمرو، ولم يأته أحد من الرجال إلا ردَّه في هذه المدة، وإن كان مسلمًا، وجاء المؤمنات مهاجرات، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط ممن خرج إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يومئذٍ وهي عاتق، فجاء أهلها يسألون النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يُرجعها إليهم، فلم يُرجِعْها إليهم؛ لِمَا أنزل الله فيهنَّ: ﴿ إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة: 10]”؛ أخرجه البخاري، كتاب الشروط.
وها هي المرأة تُبايع النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو إمام الأمة، وقد ذكر القرآن الكريم هذه البيعة – والبيعة في صُلب السياسة – فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الممتحنة: 12].
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: “شهِدتُ الفطر مع النبي – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر وعمرَ وعثمان – رضي الله عنهم – يصلُّونها قبل الخُطبة، ثم يُخطب بعدُ، خرَج النبي – صلى الله عليه وسلم – كأني أنظر إليه حين يُجَلِّسُ بيده، ثم أقبل يَشقُّهم حتى جاء النساءَ معه بلال، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ﴾ الآية، ثم قال حين فرَغ منها: ((آنتُنَّ على ذلك؟))، قالت امرأة منهنَّ لم يُجبْه غيرها: نعم، لا يدري حسنٌ مَن هي، قال: ((فتصدَّقْنَ))، فبسَط بلال ثوبه، ثم قال: هَلُمَّ لكُنَّ فداءٌ أبي وأمي، فيُلقين الفَتَحَ والخواتيم في ثوب بلال”؛ أخرجه البخاري، كتاب العيدين.
يعلق الأستاذ أبو شقة في كتابه القيِّم: “تحرير المرأة في عصر الرسالة”، فيقول: “إن مبايعة النبي – صلى الله عليه وسلم – لها عدة دَلالات:
الدلالة الأولى:
استقلال شخصية المرأة، وأنها ليستْ مجرَّد تابعٍ للرجل، بل هي تُبايع كما يُبايع الرجل.
والدلالة الثانية:
بيعة النساء هي بيعة الإسلام والطاعة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهذه يستوي فيها الرجال والنساء.

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial