الأخبار العاجلة

الـــمتنبي . تـــمثالان ورمــز واحـــد

د مـنتصر صـباح الــحسناوي / كـاتب وبــاحث عراقي

 يــثير بــعض نـــاشطي وسائل التواصل بين حين وآخر نقاشاً متجدداً حول تمثال المتنبي، وهو نقاش لا يخلو من الحماسة، لكنه يغفل أحياناً بعض الحقائق والاعتبارات الفنية والثقافية. فهناك تمثالان مختلفان للشاعر ذاته لا يتنازعان المكان أو الرمزية وإنما يُكمل أحدهما الآخر في تشكيل صورة بصرية متعددة الزوايا لشخصية المتنبي. التمثال الأول من أعمال النحات العراقي الكبير محمد غني حكمت الذي يقف شامخاً في الدار الوطنية للكتب والوثائق ويحمل في تكوينه عمقاً رمزياً يعبّر عن رؤية فنية مركّبة للمتنبي، كرمز فكري متمرّد وصاحب موقف اضافة لكونه شاعر،  وغني حكمت، كعادته يُجيد اختزال المعنى في الشكل ويزرع في الحجر إيحاءات تتجاوز الصورة السطحية. أما التمثال الثاني الذي صمّمه الفنان سعد الربيعي فقد أصبح جزءاً لا يتجزأ من هوية شارع المتنبي، تموضعه الذكي على ضفاف دجلة وسط الكتب والمكتبات جعل منه نقطة جذب سياحي وثقافي. التمثال يُقرّب صورة المتنبي من الجمهور فهو يُقدمه “كشاعر حي”  يطل من بين الناس، يشاركهم الشعر والهوى والفكر، هذه العلاقة التفاعلية بين الجمهور والتمثال هي التي جعلته يُحاكي المزاج الشعبي ويُصبح مرآة الشارع الثقافي. ومع الوقت مثل هذا التمثال عنصراً محورياً في الهوية البصرية لشارع المتنبي حتى إن بعض المؤسسات الرسمية اختارته كرمز في احتفالات مئوية الدولة العراقية، لما يمثله من حضورٍ وتأثير في الوعي الجمعي المعاصر. ليست المسألة هنا مفاضلة بين التمثالين، فلكلٍ منهما لغته وجمهوره وسياقه ومكانه. أحدهما يرمز للذاكرة الأدبية العريقة، والآخر يُجسّد التفاعل المعاصر مع شخصية الشاعر. المقارنة بين التمثالين تُفوّت فرصة التأمل في تنوّع التعبير الفني وتُحمّل العملين ما لا يحتملان من صراع رمزي لا ضرورة له.  فالمتنبي، بشخصيته المتعددة الأبعاد لا يُختزل في تمثال واحد، إنما يفيض على أكثر من عمل وأكثر من مكان. لذا، من الأولى أن نحتفي بهما معاً. فالثقافة تتسع للجمال في تنوّعه والرمز لا يُحبَس في صورة واحدة.  

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial