دريد لحّام ، وبعد الاشاعات المتكررة
أن تحيا بالأمل ..
منتصر صباح الحسناوي / كاتب وباحث عراقي
لطالما تابعنا أعماله وفنه الهادف الذي يحاكي الواقع بلغة تجمع بين الألم والسخرية ليصل إلى المتلقي بابتسامة خفيفة لا تخلو من عمق، بأمل راسخ بأن يكون الغد أفضل.
إنه “دريد لحّام ” الفنان والإنسان الكبير بكل معنى الكلمة.
في حزيران من عام 2022 حلّ ضيفاً عزيزاً على بغداد ضمن منهاج أسبوع السينما العراقي السوري، بضيافة دائرة السينما والمسرح. وكان برفقته نخبة من كبار الفنانين السوريين: سلمى المصري، أيمن زيدان، سوزان نجم الدين، باسل الخطيب، هالة البيطار، مراد شاهين.
كانت فرصة نادرة للقاء هذا الفنان الكبير عن قرب. بالنسبة لي شخصاً، كنت ملازماً له بمحبة خلال أيام الضيافة في بغداد.
وايضا كنت معه في زيارته لبغداد عام 2023 مع مجموعة من الفنانين منهم صباح الجزائري وامتدت العلاقة بلقاءٍ آخر في دمشق نهاية عام ٢٠٢٣، حيث كان في استقبالي بودٍ وترحاب،
حين تجلس معه، تدرك سريعاً أنك أمام عقلٍ متزن حكيم ومحب ولوطنه الاولوية ، ويغمره التفاؤل حتى وهو يلامس الواقع بكل حقيقته ومشكلاته.
سألته ذات مرة:
“منذ كنتُ صغيراً ، لا وحتى قبل حتى ان اولد، وأنت تردد أن الغد سيكون أفضل، في مسرحياتك وأفلامك وحتى حواراتك… متى يأتي هذا الغد الأفضل؟
“ابتسم كعادته وهو يشعل السيجاره التي لم تفاق يدن وهو بعمر التسعين عام وقال ببساطة وصدق:
“يا حبيبي… غداً أفضل بالتأكيد.
اليوم أفضل وغداً أفضل.
أنا خريج فيزياء قبل أن أكون ممثلاً، وأعرف أن الخط البياني لا بد له أن يصعد يوماً فوق مستوى الصفر، اليوم نحن على الصفر… ولن نبقى تحته، لا بد أن نصعد ولو قليلاً، ولو فقط لأننا نؤمن أن هناك شيئاً اسمه الأمل.
من دون التفاؤل لما قدرنا أن نعيش يوماً واحداً.”
هكذا يتكلم دريد لحّام. لا يقدّم نفسه كممثل فقط، إنما كإنسان خبر الحياة وعلّق آماله عليها رغم قسوتها، لا يروّج للوهم كما يظن البعض، وإنما يعزّز فينا القدرة على الاحتمال.
عبارة “غداً أفضل” ليست عنده مجرد شعار إنما موقف من الحياة، يحفظ للناس كرامتهم ويحثّهم على التشبث بأحلامهم حتى وهم يرزحون تحت أعباء الواقع.
كان دريد لحّام حاضراً في ضمير الناس ممثلاً لتفاصيلهم وحتى في أخطائهم. وتعرّض لكثير من النقد، بعضها كان نابعاً من اجتهادات فكرية وأخرى جاء نتيجة لما يُعرف اليوم بثقافة الإلغاء، التي تندفع لتشويه دون إنصات.
ومع ذلك، لم تنل تلك الحملات من روحه ولا غيّرت من أسلوبه المتسامح في احترام الجميع أصدقاء وخصوماً، مؤمنين بما يقول أو ناقدين له.
الفن عنده ليس وسيلة للشتيمة ولا أداة للتجييش.
الفن رسالة تُقال بمحبة وتُفهم بعقل. ولهذا ظل دريد لحّام حاضراً في وجدان الناس، لا بصفته الأبرز فقط، وإنما الأقرب إلى الإنسان العربي الذي يريد أن يضحك ودموع الحزن منسكبة على الخدين.
هذا هو دريد لحّام… كلما سُئل عن الغد، أجاب بثقة هادئة:
“سيكون أفضل، حتى إن لم نره، لأننا نستحق أن نأمل.”