الأخبار العاجلة

الــوعي الــمؤجَّل

بــ قـلم مـنتصر صباح الـحسناوي – الـوعي الــمؤجَّل

نركضُ دائماً نحو النتائج، نغضبُ، نحزنُ، نكتبُ منشوراً، نعلّق على القصف، ونتألم للضحايا، ثم نمضي، لكننا نادراً ما نسأل أنفسنا: كيف بدأ كل هذا؟ من سهّله؟ ومن غاب فتفاقم؟

نعالجُ القضايا الكبيرة كما لو كانت طارئةً وننسى أنها نتيجةٌ لمسارٍ طويل، نُكثرُ من الشعارات ونقلُّ في التحليل، وربما هذا من أخطر ما أصاب وعينا: أن نستبدل الأسئلة بالأحكام وأن نعيش ردَّ الفعل ونتركَ الفعلَ نفسه.
القضيةُ الفلسطينية مثالٌ واضحٌ، منذ بداياتها كانت ولا زالت مساحةً لتفريغ الحماسة لا لبناء مشروع حقيقي.
قلّةٌ من الناس توقفت، لتسألَ عن الجذر: كيف بدأت؟ من زرع الفكرة؟ من تواطأ؟ ومن تراجع؟
فالعِداءُ الذي نراه اليوم لم يكن أزلياً، ما نواجهه منذ أكثر من قرن هو مشروع استيطاني سياسي اسمه “الصهيونية”، نشأ في أوروبا واتّخذ من الدّين اليهودي غطاءً لإقامة كيانٍ على أرض فلسطين.
لم يكن العداءُ مع اليهود كدّين أو كأفراد فقد عاشوا قروناً مع المسلمين في بغداد والقاهرة ودمشق وغيرها من بلاد العرب بسلام.
الصراعُ لم يكن دينيّاً قبل أن يكون مشروعاً سياسياً إحلالياً استّند إلى التهجير والدعم الخارجي.

تفوقُ الكيانِ أيضاً لم يأتِ من فراغ، هو نتيجة عمل ممنهج وتحالفات قوية واستثمار في التعليم والتكنولوجيا ووحدة داخلية يحكمها النظام.
في المقابل، انشغلنا نحنُ بخطاباتِ الانفعال وصراعاتِ الداخل والركضِ خلفَ مشاريع مستوردة.
ومع ذلك، لم تخلُ الأرض العربية من جذور المقاومة في فلسطين، في لبنان، في مراحل من التاريخ العراقي والجزائري واليمني والمصري والسوري، ودفع أصحابها ثمناً باهظاً من دمهم ومصيرهم.
ما ننتقدهُ اليوم ليس غياب الشجاعة بقدر ما هو غياب التنسيق والرؤية الواضحة والمشروع الذي يجمع هذه التضحيات في سياقِ بناءٍ سياسي مستقر ومثمر.
اليوم، وفيما الحربُ تدور بين إسرر١ئيل وإيران، كثيرون يسألون: أين العرب من هذه المعادلة؟
الجوابُ يكمنُ في غياب المشروع، من لا يملك مشروعاً لا يُحسب له حساب، وإسرر١ئيل تخشى الفكرة التي تنهض من وعيٍ واضح وموقفٍ مستّقلٍ وقدرةٍ على الفعل.
أتذكر لقاءً سُئل فيه الفنان دريد لحّام: متى نحرر فلسطين؟
فأجاب بتلقائية موجعة: “حين تنتظم السيارات في شوارعنا دونَ الحاجة لرجل المرور”.
لم تكن نكتةً، وإنما تلخيصاً موجزاً لعجزنا عن إدارة تفاصيلنا فكيف بمعارك مصيرنا؟

الحروب اليوم لا تُحسم بالعتّاد وحده، على الرغم من أهميته ، فالنصرُ الحقيقي تصنعهُ إدارةُ الإنسان وتحريرُ العقل وبناءُ مشروع يستند إلى معرفة وقدرة على إدارتها بالمفهوم الحديث في زمن التكنلوجيا لا إلى ردّة فعل.
أما من لم يزل يكتفي بالغضب، فلن يكون له موقعاً في معادلات الغد.
العدّو واضحُ، لكنّ معركتنا مع ذاتنا أعمق، وكلُّ تأجيل لهذا الوعي يجعلنا نكررُ النكبةَ بأشكالٍ مختلفة، وأسماء متعددة.

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial