الغربية – متابعة علاء الكبيسي – 15 / أكتوبر / 2025
لا شكّ أن دونالد ترمب حقّق انتصاراً دبلوماسياً كبيراً من خلال اتفاق غزة الذي قال إنه يمهّد لـ«شرق أوسط جديد»، لكن الرئيس الأميركي المعروف بأنه ليس من هواة التفاصيل والتخطيط للمستقبل البعيد، يتجنّب في الوقت الحاضر التطرّق إلى أسس مهمة في بناء السلام الدائم الذي يحلم به، وفق تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
وتفادى الرئيس الأميركي خلال زيارته الخاطفة إلى إسرائيل ومصر، الاثنين، التي لقي فيها استقبال الأبطال، بالتزامن مع إطلاق سراح الرهائن في غزة، الاستفاضة في الحديث عن العقبات الكثيرة التي تعترض طريق السلام ومستقبل الفلسطينيين.
وقال ترمب ردّاً على سؤال حول حل الدولتين على متن الطائرة الرئاسية التي عادت به إلى واشنطن، «سأُقرّر ما أراه مناسباً» لمستقبل غزة والفلسطينيين «بالتنسيق مع الدول الأخرى».
وأضاف: «أنا لا أتحدّث عن دولة واحدة، أو دولة مزدوجة، أو دولتين. نحن نتحدث عن إعادة إعمار غزة»، ليرجئ بذلك هذا النقاش إلى وقت لاحق.
عند عودته إلى البيت الأبيض الثلاثاء، حضّ ترمب «حماس» على إعادة جميع جثث الرهائن الذين قضوا في غزة، متوعداً بـ«نزع سلاح» الحركة إذا لم تفعل ذلك من تلقاء نفسها كما تنص خطته لإنهاء الحرب.
«حس جيد»
وقّع دونالد ترمب مع قادة مصر وقطر وتركيا إعلاناً بشأن غزة، الاثنين، التزموا فيه بـ«السعي لتحقيق رؤية للسلام» في الشرق الأوسط، وهي وثيقة احتوت مع ذلك على مصطلحات غامضة.
وقال دبلوماسي من دولة غير موقّعة على الإعلان شاركت في قمة شرم الشيخ، الثلاثاء: «ما وقّعوه أمس لا يتضمّن الكثير؛ إذ إنه أقرب إلى إعلان نوايا. لا أحد يعلم حقاً ما الخطوات التالية».
وتدعو خطة الرئيس ترمب المكونة من عشرين نقطة إلى إنشاء قوة أمنية دولية وهيئات جديدة للحكم في غزة تستثني «حماس»، وهي أمور لا تزال بحاجة إلى توضيح تفاصيلها وآليات تنفيذها، علماً بأن «حماس» لم تعلن موافقتها على الشقّ المتعلّق بنزع السلاح.
رغم هذه التعقيدات، أشارت منى يعقوبيان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، إلى أن «الجزء السهل من نواح عدة هو ما تم إنجازه للتو»، في إشارة إلى المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» الذي نصّ على وقف لإطلاق النار بعد سنتين من حرب مدمّرة، وانسحابات إسرائيلية من مناطق محددة، وتبادل رهائن ومعتقلين.
وقالت: «لكن التوصّل إلى حل يتطلّب أكثر بكثير من التفاصيل المبهمة المعروضة في الخطة».
وشاركها غيث العمري، المستشار السابق للمفاوضين الفلسطينيين في محادثات «كامب ديفيد» في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، التحذير نفسه قائلاً: «يتمتع ترمب بحسّ جيد للغاية فيما يتعلق بالتوقيت والفرص».
لكن الخبير في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قال: «تراودني شكوك قوية حيال إمكان أن نرى مستوى الانخراط نفسه الذي شهدناه في الأسابيع الأخيرة».
كما شكك العمري في قدرة القادة الحاليين على تغيير الوضع، خصوصاً الرئيس الفلسطيني محمود عباس البالغ 89 عاماً والذي «فقد مصداقيته بشكل كبير».
ماذا عن الضفة الغربية؟
ويكمن المجهول الكبير الآخر في كون خطة ترمب أبعد ما تكون عن خطة سلام لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
وفي هذا الإطار، نقلت شبكة «سي إن إن»، الاثنين، عن باربرا ليف، نائبة وزير الخارجية الأميركي السابقة لشؤون الشرق الأوسط في عهد جو بايدن، قولها إن ترمب تجنّب الخوض في «العنصر المفقود (في النقاش)، أي كيف يمكن أن ينسجم (الاتفاق) مع الحل السياسي لدولة فلسطينية؟».
وجاء في البند الـ19 من الخطة «مع تقدّم إعادة إعمار غزة، وعندما يتمّ تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بأمانة، قد تتهيأ الظروف أخيراً لفتح مسار ذي مصداقية نحو تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية، وهو ما ندرك بأن الشعب الفلسطيني يتطلّع إليه».
ويعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة إقامة دولة فلسطينية، وقد ندد، بقوة، باعتراف دول كثيرة بينها فرنسا وبريطانيا أخيراً بدولة فلسطين.
ولم يتطرّق النقاش كذلك إلى الضفة الغربية المحتلة التي يفترض أن تكون جزءاً من أراضي دولة فلسطين، والتي تشهد مواجهات متصاعدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وحيث تواصل إسرائيل إقرار مشاريع استيطانية تجمع الأمم المتحدة ودول عدّة على أنها تهدّد مستقبل السلام.
وقال غيث العمري: «سيكون تحدياً كبيراً لضامني (اتفاق غزة) بأن يروا ما إذا كانوا قادرين على الحفاظ على وقف إطلاق النار، ولكن ثمة سؤالاً أيضاً لم يُطرح حقاً؛ لأننا جميعاً نركّز بشكل طبيعي على غزة: هل يمكن للوضع في الضفة الغربية أن يبقى مستقراً أم سنشهد انهياراً؟