الأخبار العاجلة

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن الهجرة المشروعة

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن الهجرة المشروعة
بقلم \ الكاتب و المفكرالعربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
كثيرًا ما نسمع عن العديد من الهجرات غير المشروعة، قد تكون هجرةً من حياة يعيش فيها الإنسانُ في ضياعٍ وعزلة عن المجتمع الذي يعيش فيه؛ يكون فيها حيًّا ولكنَّه يعيش حياةَ الموتى؛ بل قل: حياةَ العبيد، وهناك هجرةٌ أخرى تكون من أرضِ الوطن الذي يعيش فيه الإنسان، وقد عانى فيه من ضَنْكِ المعيشة، ومن مرارتِها، من الظلم والقهر والطغيان، فيريد أنْ يغيِّرَ حالَه فيذهب إلى أماكنَ أخرى بطرقٍ قد تؤدِّي إلى هلاكه.
ولكن هناك هجرة أخرى مشروعة؛ هذه الهجرة لنوع خاصٍّ من النَّاس استشعروا أنهم ضيوفٌ في هذه الحياة، وعلموا أنَّ موطنهم الحقيقي هو جنةُ ربِّ العالمين، فعاشوا في الدُّنيا بأجسامهم، ولكن ارتبطت أرواحُهم بالآخرة.
هذا الصِّنف سماهم ابنُ القيم “دائمي اليقظة طالبي الآخرة”، وتحدَّث عنهم فقال:
همَّةُ المؤمن متعلِّقةٌ بالآخرة، فكلُّ ما في الدنيا يحرِّكه إلى ذِكر الآخرة، ألا ترى لو دخل أربابُ المهن والصنائع إلى دارٍ معمورة مشيَّدة؟! رأيتَ البنَّاء ينظر إلى البِنَاء، ورأيتَ النَّجَّار ينظر إلى النِّجَارة، ورأيتَ البزَّازَ ينظر إلى الفُرُش، وهكذا، والمؤمن إذا رأى ظلمةً تذكَّر ظلمةَ القبر، وإذا ذَكَر مُؤْلماً تذكَّر العقابَ، وإذا سمع صوتًا فظيعًا تذكَّر نفخةَ الصُّور، وإذا رأى النَّاس نِيامًا ذَكَر الموتى في القبور، وإنْ رأى لذةً ذَكَر الجنةَ، فَهِمَّتُه متعلِّقةٌ بأحوال الآخرة.
وأعظم ما عنده أن يتخيَّلَ دوامَ البقاء في الجنة، وأنَّ مقامه لا ينقطع ولا يزول ولا يعتريه مُنغِّص، فإذا تخيل ذلك يطيش فرحًا، ويسهل عليه ما في هذه الدنيا من آلام ومآسٍ، ومرض وابتلاء، وفقدِ أحبابٍ وهجوم الموت ومعالجة غصصه، فالتَّائِقُ إلى العافية لا يبالي بمرارة الدواء.
ثم يتخيل المؤمن دخولَ النار والعقوبة، فيتنغَّص عيشُه، ويقوى قلقُه، فهو في الحالتين مشغول عن الدنيا وما فيها؛ فقلبه هائمٌ في بيداءِ الشوق تارةً، وفي صحراءِ الخوف تارةً أخرى.
فإذا نازله الموتُ قَوِيَ ظنُّه بالسلامة، ورجا لنفسه النجاة، فإذا نزل القبر وجاءه من يسألونه، قال بعضُهم لبعض: دعُوه فما استراح إلا لساعة.
وسماهم الأستاذ فتح الله كولن “رجال الخدمة”، فتحدث عنهم فقال:
إنَّ من قُدِّر لهم أن يقوموا بدور “الأسوة” في أي خدمة إيمانية، فعليهم أنْ يكونوا “رجال خدمة” حقًّا، بكلِّ كيانهم، وفي كل شأن من شؤون حياتهم، عليهم أن يسعوا ليلَ نهارَ دون توقف، بل ينبغي ألا يراهم أحدٌ نائمين أبدًا، بل إذا أمكن فلتكنْ ثلاثُ ساعاتٍ من يومهم لنومهم، وساعتان لسائر شؤونهم، ثم لينطلقوا ساعين خُدَّامًا فيما تبقَّى من أوقاتهم.
إنه بهذا المستوى من الأداء فحسب، يمكنهم أن يكونوا “مثالاً” لمن حولهم، ويكونوا قد وفَّوا المسؤولية حقَّها، أحسب أنَّ أبطالاً قد نذروا أنفسَهم للخدمة وفقًا لهذه المقاييس سوف يُخطئون الطريقَ إلى منازلهم في بعض الأحيان.
هذا، وينبغي على “رجل الخدمة” أن يدير ظهرَه إلى كلِّ شيء يشغلُه عن قضيته، وألا يقعَ أسيرَ أيِّ قيدٍ يمنعه من السعي أبدًا، مَنْزلاً كان أو أهلاً أو عملاً أو أيَّ شيء آخر… إنَّ “صاحب القضية” أصلاً ليس له حياة خاصة، اللهم إلا في بعض شؤونه الضرورية.
وعبر عنهم البنا – رحمه الله – فقال:
وكم أتمنى أن يطلعَ هؤلاءِ الإخوان المتسائلون على شباب الدعوة وقد سهرت عيونُهم والناس نيام، وشغلت نفوسُهم والخليُّون هجعٌ، وأكبَّ أحدهم على مكتبه من العصر إلى منتصف الليل عاملاً مجتهدًا، ومفكِّرًا مجِدًّا، ولا يزال كذلك طول شهره، حتى إذا ما انتهى الشهر جعل موردَه مورداً لجماعته، ونفقتَه نفقةً لدعوته، ومالَه خادمًا لغايته، ولسانُ حاله يقول لبني قومه الغافلين عن تضحيته: لا أسألُكُم عليه أجرًا إن أجري إلا على الله، ومعاذ الله أن نَمُنَّ على أمتنا، فنحن منها ولها، وإنما نتوسَّلُ إليها بهذه التضحية أن تفقهَ دعوتَنا، وتستجيبَ لندائِنا.
فهل لنا أن نعيشَ هذه الهجرة المشروعة التي لا يستطيعها إلا من صفا قلبُه، وخضعتْ نفسُه لمولاه تبارك وتعالى؟ اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial