الأخبار العاجلة

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن فريضة الحج وتحقيق الأمن والأمان

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن فريضة الحج وتحقيق الأمن والأمان
بقلم \ الكاتب و المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
مما لا شك فيه أن فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، ركن من أركان الإسلام، ويتجلى فيها مبدأ الأمان بأجلى صوره، فمن شروط وجوب الحج: الاستطاعة وأمن الطريق، فمن لم يستطع أو لم يكن آمنا على نفسه أو ماله أو عرضه فى الطريق لا يجب عليه الحج، وفى تأكيد الشريعة الغراء أمن الطريق لضيوف الرحمن ما يقرر أن الأمان من أهم حقوق الإنسان، بل إن المؤمن الكامل فى إيمانه هو من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
وأن المسلم الكامل فى إسلامه من سلم المسلمون من لسانه ويده.
وكما أن أمان الطريق من شروط وجوب الحج، فإن الذى يتمعن فى زمان الحج ومكانه وأحكامه يرى أن الأمان من أبرز معالم هذه الفريضة.
أما زمن الحج فنلاحظ أن الله تعالى جعله من الأشهر الحرم فشهر ذى القعدة الذى نشد فيه الرحال إلى بيت الله الحرام من الأشهر الحرم، وشهر ذى الحجة الذى تؤدى فيه الفريضة من الأشهر الحرم، وشهر المحرم الذى يعود فيه ضيوف الرحمن إلى أوطانهم من الأشهر الحرم، فجعل الله تعالى زمن اداء فريضة الحج زمنا حراما يحرم فيه القتال، ليأمن فيه ضيوف الرحمن.
وكما جعل الزمان أمانا جعل أيضا المكان أمانا، فنرى البيت الحرام آمنا ومن دخله كان آمنا، بل كان الرجل قديما يلقى فيه قاتل أبيه فلا يتعرض له بسوء احتراما لحرمة المكان ولأنه حرم آمن قال الله تعالي: “إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا”.
فنرى الزمان الذى تؤدى فيه الفريضة آمنا ونرى المكان آمنا، ونرى الإنسان آمنا، وجعل اللقطة آمنة، فلا يصح لمن وجد شيئا ضائعا مهما كان نفيسا أن يأخذه ولا أن يلتقطه إلا إذا كان سينشد صاحبه ويعرف بالشيء الذى وجده، كما جاء فى الحديث (ولا تلتقط لقطته إلا المنشد) كما جعل الله تعالى شجر الحرم ونباته والحشيش الذى ينبت فى الأرض آمنا كما جاء فى الحديث: (ولا يختلى خلاه) بل جعل الشوك آمنا (ولا يعضد شوكه) أى لا يقطع فيكون كل شيء آمنا.
وان ضيوف الرحمن حين يعودون من رحلة الحج المباركة وقد تعودوا على قيمة الأمان وهم يمارسون مناسكه لا شك أنهم يحافظون على أمن الإنسان وعلى أمن الأوطان، ويقومون بنشر الأمن فى كل زمان وفى كل مكان.
ولا ريب أن المجتمعات الإنسانية فى هذه المرحلة الراهنة فى أمس الحاجة إلى استتباب الأمان، ومكافحة الإرهاب الذى استشرى فى كثير من بلادنا. وها نحن نرى أن العبادات فى الإسلام ترسى فى العباد والبلاد معنى الأمان، فكما أرست عبادة الحج معنى الأمان، فان عبادة الصلاة ترسى أيضا معنى الأمان والتواد والتآلف بين العباد حين يؤدونها فى جماعة، وحين يتلاقون فى بيوت الله فيستشعرون معنى الألفة والترابط والتعارف والتآلف مما يزيد وشائج التواصل ويؤكد معانى الأمن والمودة بين الناس.
ويتجلى هذا المعنى أيضا فى عبادة الزكاة والصيام وغير ذلك من الطاعات التى تغرس الأمن والطمأنينة، والود والسكينة بين الناس، والناس فى هذه الآونة يتهددهم الإرهاب بصوره البشعة التى وقع ضحيتها كثير من أبناء الأوطان، مما يستوجب على الخطاب الدينى فى هذه المرحلة وعلى الدعاة أن يضاعفوا جهودهم لنبذ الإرهاب وبيان خطره على الأمة، فالإرهاب من أبشع الجرائم التى تهدر حق المجتمعات فى الأمن وفى الاستقرار، وتهدر حق النفس، ولذلك كان الوعيد الشديد لمن يعتدى على النفس الإنسانية فى الحياة، عن أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة” رواه الطبرانى فى معجمه الكبير، والحافظ ضياء الدين المقدسى فى الأحاديث المختارة.
وسبب ورود هذا الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث سرية، فأغاروا على قوم فشذ رجل منهم، فاتبعه رجل من السرية شاهرا سيفه فقال إنى مسلم فقتله، فنما إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال قولا شديدا ثم ذكر الحديث.
وقد أخرج هذا الإمام أحمد فى مسنده عن عقبة بن مالك الليثى قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغارت على قوم فشذ مع القوم فاتبعه رجل من السرية شاهرا سيفه، فقال الشاذ من القوم: إنى مسلم فلم ينظر فيما قال، فضربه فقتله فنما الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا، فبلغ القاتل، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قال القاتل والله ما قال الذى قال إلا تعوذا من القتل، قال فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وعمن قبله من الناس وأخذ فى خطبته، ثم لم يصبر حتى قال الثالثة، والله يا رسول الله ما قال الذى قال إلا تعوذا من القتل، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرف المساءة فى وجهه فقال: (إن الله أبى على من قتل مؤمنا) ثلاثا، رواه النسائي.
ولاشك أن الإرهاب من أكبر الكبائر وأخطر الجرائم إذا تفشى فى بيئة نشر الرعب والفزع وقضى على الأمن والاستقرار، وأشاع الشحناء والبغضاء، وقضى على الروابط الإنسانية، ورمل النساء، ويتم الأطفال قال الله تعالي: “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”
من هنا كان واجب الأمة أن تناهض ظاهرة الإرهاب وأن تضاعف جهودها فى نشر الأمن والاستقرار مستوحية من عبادات الإسلام كالحج وغيره ما فى أسرار العبادات وحكمتها من دعوة إلى الأمان والطمأنينة والرحمة والسكينة.

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial