الأخبار العاجلة

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن ملامح الإطار الأخلاقي في الإسلام

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن ملامح الإطار الأخلاقي في الإسلام
بقلم \ الكاتب و المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
مما لا شك فيه أن الأخلاق والقيم تتبوأ مكانًا سامقًا ومنزلة عظمى في الإسلام، وقد أفاض القرآن وكذلك السنة البلاغ بشأن فضلها وأهميتها، للتأكيد على أن المنظومة الأخلاقية ضرورة للتعايش بين الناس، وبدونها يفسد نظام الحياة.
ولسنا في هذا المقام بصدد التذكير بأهميتها وضرورتها من خلال سرد النصوص، ولكننا سنبرز هذه الأهمية من خلال التعرف على أهم ملامح وخصائص هذا الإطار، والقوانين التي تحكمه، وهو ما يجعل المنظومة الأخلاقية في الإسلام متميزة ومختلفة عن غيره من المناهج الأخرى، سواء كانت السماوية المحرفة، أو الأرضية الوضعية، ولعل من أهم هذه الملامح:
أولًا: ربانية المصدر:
فمصدر الأخلاق والقيم الإسلامية وحي من الله تبارك وتعالى، فالكتاب والسنة قد حددا ملامح الإطار الأخلاقي، وهو ما يعطيه أثاثًا ثابتًا يستحيل عليه التغيير، ولا يتخيل معه العور، ويظل نائيًا عن التعرض للنقد.
ولم يترك للعقل البشري الحرية المطلقة في تحديد واستحسان ما يشاء من القيم لكي تنتظم حاكمة على السلوك البشري، ولم يدعها كذلك للتأرجح بين عادات الناس التي تختلف من بيئة لغيرها ومن حقبة لأخرى، ” فالعادات قد تعمي الضمير الداخلي، والعقل قد يسخر نفسه لخدمة الغرائز البهيمية” ([1]).
ولا ينافي هذا ما أقره الإسلام من أخلاق العرب في الجاهلية كالكرم والشجاعة والغيرة…، لأن الله – تعالى -جعل أصلها مركوزًا في الفطرة البشرية، فما بقي منها على الجادة دون انتكاس أقرته الرسالة بل أكدت عليه ونمته وحددت له مساراته الصحيحة، وما انحرف منها عن الفطرة أعادته التعاليم الربانية بمسالك التربية المختلفة.
وإننا إذ نشير إلى ربانية المصدر، فإننا بذلك نجلي فرقًا جوهريًا بين منظومة القيم في الإسلام وبين تلك القيم الإنسانية التي تعد قاسمًا مشتركًا بيننا وبين الحضارات الأخرى، كقيمة العدل على سبيل المثال.
فالعدل قيمة لها مكانتها في النظام الإسلامي وفي الغربي كذلك، ولكن يبرز الفارق في أن الإسلام يعطي لهذه القيمة الثبات والاستقرار ما دامت ربانية المصدر، فلا تتبدل ولا تتغير، حيث يكون الشعور الوجداني هو مصدر الإلزام، لارتباطها بالثواب والعقاب، وحيث عدم الانفصال عن النظام السياسي للدولة الإسلامية.
أما في الحضارة الغربية فهي ترتبط بالمصلحة التي تُحدد على موائد القرارات السياسية، فتارة تترنم الدول الغربية بالعدل وتعلي من قيمته إذا ما كان الحديث عن الأقليات في الدول الإسلامية، وتارة تتجاهله تمامًا أو تحرف تطبيقاته إذا تعلق الأمر بأطماعها المستبدة وتسويغها للعبث في مقدرات الأمم والشعوب، ومحاولة التحكم في مصائرها وإخضاعها للهيمنة الغربية.
ثانيًا: ارتباطها بالإيمان والعقيدة السليمة:
فالتوحيد الخالص لله- تبارك وتعالى-لا شك أنه يثمر الأخلاق الفاضلة ويدل عليها، تلك العقيدة الصافية التي صاغت شخصية عمر بن الخطاب ذلك الرجل الصلب صخري القلب حاد الطباع، إلى عمر الذي يرق قلبه وتدمع عيناه للأرامل والمساكين والأيتام، وأكسبت بلال بن رباح شجاعة في مواجهة الباطل بعد أن كان عبدًا هملًا لا صوت له في الجاهلية، وألبست مصعب بن عمير الفتى الناعم المدلل ثوب الرجولة والخشونة وشدة البأس.
وارتباط الأخلاق بالإيمان والتوحيد الخالص نستطيع إدراكه من عدة جوانب:
1- من خلال التعرف على حقيقة الإيمان، فهو قول وعمل، أو كما قال شيخ الإسلام: ” الإيمان هو قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان” ([2])، فالعمل والسلوك جزء من الإيمان، كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (( الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان))([3]).
وفي نفس الوقت هو ثمرة لأصله الذي في القلب، تظهر على عمل الجوارح والتي منها التمثل بالأخلاق الفاضلة، وهو ما أشار إليه الحسن البصري بقوله: ” ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل” ([4]).
2- من خلال خضوعها للإيمان باليوم الآخر ومبدأ الجزاء الأخروي من ثواب أو عقاب، فالمسلم يلزم نفسه بالإطار الأخلاقي للإسلام على اعتقاد منه بأن مكارم الأخلاق سبيله إلى الفوز، وأن مساوئها تهوي به إلى الخسران، وهو ما بينه – صلى الله عليه وسلم – في حديثه الجامع: (( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)) ([5]).
3- من خلال اقترانها بالتوحيد في دعوة الرسل، فالله- تبارك وتعالى -عندما أرسل رسله إلى الأمم لم تكن وظيفتهم الدعوة إلى التوحيد فحسب، وإنما اقترن بذلك الدعوة إلى تقويم الأخلاقيات والسلوكيات المعوجة، كما حدث القرآن عن شعيب – عليه السلام -: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) [هود: 84].
وحكى عن لوط دعوته قومه إلى التوحيد وإنكاره عليهم مساوئ الأخلاق: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ) [الشعراء: 161-165].
ثالثًا: ارتباطها بالجانب التعبدي
وكما ترتبط الأخلاق والقيم بالعقيدة والإيمان، فإنها ترتبط كذلك بأداء العبادات، فديمومة الأفعال الفاضلة تثمر أخلاقًا فاضلة، والقرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) [المعارج: 19-23].

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial