المدير التنفيذى للأكاديمية الملكية للأمم المتحدة يتحدث عن إهتمام العلماء بعلم الصوتيات ومدارسهم
بقلم \ الكاتب و المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
لقد حظي علم الصوتيات باهـتمام بالغ من لدن علماء الأمة امتد منذ العصور المتقدمة الأولى وإلى عهـدنا الحاضر، فمن السابقين: أبو الأسود الدؤلي (ت 69 هـ)، فهـو الذي نقط الحروف بملاحظته الصوتية الذاتية، والخليل الفراهـيدي (ت 175 هـ) الذي قام بتقسيم أصوات اللغة، وحدد مخارجهـا معتمداً على حسه الصوتي وسميت مدرسته بـ (مدرسة المعجميين الصوتية)، ثم سيبويه (ت 180 هـ) حيث قام بتقسيم الأصوات العربية بحسب مخارجهـا وحيز كل واحد منهـا ووصف كل صوت منهـا وصفاً دقيقاً، هـؤلاء الثلاثة كانوا مدارس الإلقاء الصوتي.
وتتلمذ على مدارس هـؤلاء أساتذة بارعون، فكان على نهـج ومدرسة الفراهيدي، أبو علي القالي (ت 356 هـ) في كتابه (البارع)، وأبو منصور الأزهـري (ت 370 هـ) في كتابه (تهـذيب اللغة)، والصاحب بن عباد (ت 385 هـ) في كتابه (المحيط في اللغة)، وابن سيدهـ (ت 458 هـ) في كتابه (المحكم).
وسميت مدرسة سيبويه بـ(مدرسة النحاة الصوتية)، وأشهـر أساتذتهـا أبو العباس المبرد (ت 285هـ)، وابن السراج (ت 316 هـ)، والزجاجي (ت 337هـ)، والزمخشري (ت 538 هـ)، وابن يعيش (ت 643 هـ)، والرضي (ت 680 هـ)، وابن عصفور (ت 699 هـ)، والاشموني (ت 911 هـ)، والسيوطي (ت 911 هـ)، وغيرهـم [1].
فنجد مثلاً مدرسة الفراهيدي والذي تبعهـ في ذلك من علماء القراءات الإمام ابن الجزري (ت 833 هـ) أنهـ قسّم مواضع الحروف إلى خمسة مواضع وعلى سبعة عشر مخرجاً، فالجوف يخرج منه الحروف المدية (ا و ي)، والحلق يخرج منهـ (أ هـ ع ح غ خ)، واللسان يخرج منه (ق ك ج ي (الشجرية غير المدية) ش ض ل ن (المظهـرة) ر ت د ط ث ظ ذ س ص ز)، ومن الشفتين يخرج منهـ (ف ب م و غير المدية)، ويخرج من الخيشوم (ن م المغنتان).
قال الخليل الفراهـيدي:
(في العربية تسعة وعشرون حرفاً: منهـا خمسة وعشرون حرفاً صحاحاً، لهـا أحياز ومدارج، وأربعة أحرف جوف، وهـي الواو والياء والألف اللينة، والهـمزة، وسميت جوفاً، لأنهـا تخرج من الجوف، فلا تقع في مدرجة من مدارج اللسان، ولا من مدارج الحلق، ولا من مدارج اللهـاة، إنما هـي هـاوية في الهـواء، فلم يكن لهـا حيز تنسب إليه إلاَّ الجوف)[2].
ومدرسة سيبويه والذي تبعه في ذلك من علماء القراءات الإمام الشاطبي (ت 590 هـ)[3] حيث حذفوا من المواضع الخمسة موضع الجوف ليبقوا على أربعة مواضع بستة عشر مخرجاً، إذ جعلوا مخرج الألف من أقصى الحلق، وجعلوا الواو المدية من مخرج الواو المتحركة من الشفتين، وجعلوا الياء المدية من مخرج الياء المتحركة من وسط اللسان[4].
وذهـب الفراء (ت 207 هـ)، وابن دريد (ت 321 هـ)، وابن كيسان إلى أن مجموع المخارج أربعة عشر: الحلق يخرج منهـ: (أ هـ ع ح غ خ)، واللسان يخرج منهـ: (ق ك ج ي(الشجرية غير المدية) ش ض ل ن (المظهـرة) ر ت د ط ث ظ ذ س ص ز)، ومن الشفتين يخرج: (ف ب م و غير المدية)، ويخرج من الخيشوم (النون الخفيفة)، وبهـذا أسقطوا مخرج الجوف ومخرجين من اللسان[5].
وأما مدرسة المجودين والقراء الصوتية فتنصب: على آلية التصويت المتمثلة بآلة النطق اللسان، والمخارج الصوتية، والصفات الصوتية، فجعلت للرئتين، والقصبة الهـوائية، والحنجرة، والحلق، واللهـاة، والحنك الأعلى، والشفتين، والأسنان، والخيشوم أحيازاً يخرج منهـا صويت الحروف، ورسموا لكل واحدة منهـا رسما توضيحياً يبين مخرج كل حرف وصفته. فقالوا في الرئتين: إنهـا الدافع الرئيس لتوليد الصوت بما تفرزه من دفق هـوائي، وتعد الحنجرة من أهـم الأعضاء الصوتية التي تسهـم في تحديد هـوية الأصوات مخرجاً وصفة.. الخ.
