الأخبار العاجلة

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يؤكد أن الكون صداقة للإنسان ودلالة على الخالق

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يؤكد أن الكون صداقة للإنسان ودلالة على الخالق
بقلم \ الكاتب و المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
الحقيقة أن مذاهبَ كثيرةً ومفكرين كثيرين، لم يوفَّقوا في رسم حدود العَلاقة بين الإنسان والطبيعة، إن الطبيعة التي يُطلِق عليها بعضهم (المادة)، ويطلق عليها آخرون (التراب) – ليستْ ركنًا مقابلاً ومضادًّا للإنسان، إنها لا تفرض عليه (الصراع) معها لكي يصنع حضارة، كما يذهب إلى ذلك أصحابُ التفسير المادي والمثالي، وبدرجة كبيرة أصحاب التفسير الحضاري، وبعض المفكرين المسلمين.
فحتى تعبير (أرنولد توينبي) الشهير: (التحدي) يمثل شِحنةً مكثفة لا تمثِّل حقيقة العلاقة بين الإنسان والطبيعة.
إن الطبيعة بالنسبة للإنسان هي مجاله، وهي بيئته، وهي مخلوقة من أجله، وإن جمالها وأهميتها وعطاءها الحق، لن يتجلَّى إلا إذا سخَّرها الإنسان وأعمَلَ فيها عقلَه ويده، إنها من غيره جمادٌ وفوضى وتدمير أحيانًا.
لقد رفَض القرآن الكريم التصوُّرَ العبراني للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، وهي علاقة الرهبة والخوف؛ لأن الطبيعة في التصور القرآني قد خُلِقت من أجل الإنسان، كذلك فإن اللعنة التي تحل بالأرض في العهد القديم بسبب خطيئة آدم وحواء حين أكلا من الشجرة المحرمة – لا تتَّفق مع وصف القرآن للأرض بأنها مستقرٌّ ومتاع إلى حين[1]، بل إن الإنسان في القرآن الكريم هو المحور والغاية في عالَم الطبيعة، ومن أجله سُخِّرت الكائنات كلُّها؛ يقول الله -تعالى-: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ [إبراهيم: 32- 33]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا ﴾ [النحل: 14]، ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [لقمان: 20].
وكل ما يُخيَّل لبعضهم أنه صراع بين الإنسان والطبيعة، فهو من باب التهذيب، مثلما يهذِّب الإنسانُ أبناءه ليُنتجوا ويُثمروا، كذلك فإن الإنسان يتولَّى الطبيعة بالتهذيب؛ لكي تضع إمكاناتها وطاقاتها تحت تصرُّفه، ولكي تعطي وتثمر، وتتعاون معه في إنجاز الحدث الحضاري، إنها الجسم وهو العقل، إنها الأنثى الودود التي لا تبخل بالإنجاب – بإذن الله – متى تم التفاعلُ الحضاري، أو حسب تعبير (توينبي): متى تَمَّت (الاستجابة) المناسبة.
فالأمر – إذًا – ليس (صراعًا)، بل ليس (تحديًا)؛ وإنما هو (تدافع) كريم، كذلك التدافع والتدلل، والتمنُّع الذي يتم بين كل أنثى وذَكَر، إنه – في الحقيقة – ليس تحديًا ولا صراعًا؛ وإنما هو (استثارة) لكل الطاقة المذخورة!
ونحب هنا أن نبيِّن أن كلمة (تدافُع) ليستْ من نوع (الصراع)، ولا سيما بمحتواه الفلسفي الجدلي، فإن (التدافع) ليس إلا قمة الاستثارة ليبقى – في النهاية – ما ينفع الناس:
﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251]، ﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد: 17]، ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18].
وكيف يكون الأمر (صراعًا) مع أن (الأرض) في الإسلام إنما جُعِلت كلها مسجدًا؟!
وكيف يكون الأمر صراعًا مع أن (الزمن) هو (الدهر)، ولا يجوز أن يسبَّ المسلمُ الدهرَ؟!

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial