المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن أدب الإختلاف في الإسلام
بقلم \ الكاتب و المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
مما لاشك فيه ان أمراض المسلمين في عصرنا هذا – قد تعددت وتشعبت وفشت حتى، شملت جوانب متعددة من شؤونهم الدينية والدنيوية، ومن العجب أن الأمة المسلمة لا تزال على قيد الحياة،لم تصب منها تلك الأدواء – بحمد الله – مقتلاً على كثرتها وخطورتها، وكان بعضها كفيلاً بإبادة أمم وشعوب لم تغن عنها كثرتها ولا وفرة مواردها، ولعل مرد نجاة هذه الأمة إلى هذا اليوم رغم ضعفها هو وجود كتاب الله ربها وسنة نبيها -صلى الله عليه وآله وسلم- بين ظهرانيها ثم دعوة نبيها -صلى الله عليه وآله وسلم- واستغفار الصالحين من أبنائها ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ (لأنفال:33) .
وإن من أخطر ما أصيبت به هذه الأمة في الآونة الأخيرة مرض (الاختلاف..الاختلاف في كل شيء، وعلى كل شيء، حتى شمل العقائد والأفكار والتصورات والآراء إلىجانب الأذواق والتصرفات والسلوك والأخلاق وتعدى الاختلاف كل ذلك حتى بلغأساليب الفقه وفروض العبادات وكأن كل ما لدى هذه الأمة من أوامر ونواة يحثها على الاختلاف أو يدفعها إليه والأمر عكس ذلك تماماً فإن كتاب الله وسنة رسوله ما حرصا على شيء بعد التوحيد حرصهما على تأكيد وحدة الأمة ونبذ الاختلافبين أبنائها ومعالجة كل شيء من شأنه أن يعكر صفو العلاقة بين المسلمين أويخدش أخوة المؤمنين ولعل مبادئ الإسلام ما حضت على شيء حضهاعلي الوحدة والائتلاف بين المسلمين؛ وأوامر الله ورسوله واضحة في دعوتهالإيجاد الأمة التي تكون كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه أصابه الوهن كله.
حقيقة الاختلاف:
الاختلاف والخلاف: الاختلاف والمخالفة أن ينهج كل شخص طريقاً مغايراً للآخر في حاله أو في قوله. والخلاف أعم من “الضد ” لأن كل ضدين مختلفان، وليس كلُّ مختلفين ضدين، ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يفضي إلى التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة، قال تعالى:
﴿ فاخْتَلفَ الأحْزابُ مِنْ بينِهم… ﴾ [مريم:37]
﴿ وَلا يزَالُون مُخْتلِفين ﴾ [هود:118]
﴿ إنَّكُم لفِي قولٍ مُخْتلِف ﴾ [الذاريات:8]
﴿ إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بينهم يوْم القِيامةِ فيما كانوا فيهِ يخْتلِفون ﴾ [يونس:93].
وعلى هذا يمكن القول بأن “الخلاف والاختلاف ” يراد به مطلق المغايرة في القول أو الرأي أو الحالة أو الهيئة أو الموقف.
أقسام الخلاف من حيث الدوافع:
1¬-خلاف أملاه الهوى:
قد يكون الخلاف وليد رغبات نفسية لتحقيق غرض ذاتي أو أمر شخصي وقد يكون الدافع للخلاف رغبة التظاهر بالفهم أو العلم أو الفقه. وهذا النوع من الخلاف مذموم بكل أشكاله ومختلف صوره لأن حظ الهوى فيه غلب الحرص على تحري الحق والهوى لا يأتي بخير فهو مطية الشيطان إلى الكفر، قال تعالى:
﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: 87]. وبالهوى جانب العدل من جانبه من الظالمين.
﴿ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ﴾ [النساء: 135]، وبالهوى ضل وانحرف الضالون.
﴿ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 56] والهوى ضد العلم ونقيضه، وغريم الحق، ورديف الفساد، وسبيل الضلال:
﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [ص: 26].
﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ [المؤمنون: 71].
﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾[الأنعام: 119].
وأنواع الهوى متعددة وموارده متشعبة وإن كانت في مجموعها ترجع إلى «هوى النفس وحب الذات» فهذا الهوى منبت كثير من الأخطاء وحشد من الانحرافات ولا يقع إنسان في شباكه حتى يزين له كل ما من شأنه الانحراف عن الحق والاسترسال في سبيل الضلال حتى يغدو الحق باطلا والباطل حقا والعياذ بالله.
