المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن التطبيق المعاصر للزكاة
بقلم \ الكاتب و المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
مما لاشك فيه أنكم تعرفون الحديث المشهور الذي نتداوله: ((بُنيَ الإسلام على خَمْسٍ: شهادة أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا رسول الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزَّكاة، وصَوْم رمضان، وحَجُّ البيت مَنِ استطاع إليه سبيلاً))؛ فالرُّكن الثَّالث بعد الشهادَتَيْن والصلاة: الزَّكاة، وبغير هذه العُمُد الخمسة لا يقوم الإسلام، ولا يُقبَل إسلام المرء بغير هذه الخمسة.
ولذلك نعرف أنَّ في عهد سيِّدنا أبي بكر – رضي الله عنه – كانت حروب الرِّدَّة ضدَّ قومٍ يشهدون أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، ولكنهم فرَّقوا بين الصَّلاة والزَّكاة، فرأوا أن يقيموا الصَّلاة، وألاَّ يؤتوا الزَّكاة؛ فقال الصدِّيق – رضيَ الله عنه -: لا نفرِّق بين الصَّلاة والزَّكاة؛ ذلك أن تارك الصَّلاة جحودًا كافرٌ، وأنَّ تاركها إن لم يكن جاحدًا؛ فجمهور الفقهاء يرى أن يُقتَل، والخلاف هنا: أيُقتَل لأنَّه كافر؟ أم يُقتل حدًّا؟
فالحرب – حرب الرِّدَّة – قامت لأنَّ هؤلاء منعوا الزَّكاة، الرُّكن الثَّالث من الأركان التي قام عليها الإسلام، والصحابة جميعًا وافقوا الصدِّيق على هذا؛ لذلك فلابدَّ من معرفة هذه الأركان وإقامتها.
والزَّكاة في عهد سيِّدنا رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان المسلمون يؤدُّونها، وبعده أدَّوها كذلك – إلاَّ مَنِ ارتدَّ – وكانوا يعرفون كيف يؤدُّونها، كانوا يعرفون هذا لأنَّ الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – حدَّد مقاديرَ الزَّكاة، وبيَّن أنْصِبَتَها، والأشياء التي يمكن أن يكون فيها خطأٌ أمر بكتابتها؛ كزكاة الماشية. فالأنصبة والمقادير قد يخطئ فيها المصدِّقون العاملون عليها، فأمر – صلَّى الله عليه وسلَّم – بكتابتها.
وفي عصرنا جدَّت أمورٌ كثيرةٌ؛ فقد يريد الإنسان أن يُخرج الزَّكاة – أحيانًا – ولا يدري ماذا يعمل؟
فمثلاً: النُّقود الورقيَّة ما كانتْ موجودة في عهد الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – والشَّركات المساهمة، والأسهم والسَّندات، وودائع البنوك، والتَّأمين، وأشياءَ كثيرة جدَّت في عصرنا. التَّاجر الآن يصعب عليه أن يعرف مقدار الزَّكاة إلاَّ إذا سأل؛ لذلك نريد أن نلقي نظرةً سريعةً على هذه الأمور.
وقبل أن نبدأ هذا نذكر بعض القواعد العامَّة في الزَّكاة:
القاعدة الأولى: هي أنَّ الزَّكاة تجب في المال الذي يملكه الإنسان، فمن الشروط تمام المِلْكِيَّة، ويقصد به تمام المِلْك في التَّصرُّف والمنفعة؛ لأن المِلْك الحقيقي في الإسلام لله – سبحانه وتعالى -: {وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ} [النور: 33]، فالمال ليس مالكم، وإنما مال الله تعالى، أما أنتم فـ: {أَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7]، فأنتم مُستخلَفون في هذا المال، ولذلك فأنتم تتصرَّفون بحسب إرادة المالك الحقيقي، وهو الله سبحانه وتعالى.
وهذا يختلف عن النُّظُم المعاصِرة؛ ففي النِّظام الشُّيوعي تكون المِلْكِيَّة للدَّوْلة، وفي النِّظام الرَّأسمالي تكون المِلْكِيَّة للفَرْد، أما في الإسلام فالمِلْكِيَّة لله سبحانه وتعالى، ففي النِّظام الشُّيوعي تفعل الدَّولة ما تشاء، والفَرْد ليس له مِلْكِيَّة خاصَّة، وفي النِّظام الرَّأسمالي يتصرَّف الفَرْد في رأس ماله.
أمَّا في الإسلام؛ فالمال مال الله تعالى، ولذلك فلابدَّ أن نتصرَّف بحَسَب ما أمرنا صاحب المال ومالكه الحقيقي، وهو الله سبحانه تعالى.
المراد إذًا بتمام المِلْك: أنَّ الإنسان يستطيع أن يتصرَّف فيه، لأنَّ الإنسان إذا كان لا يملك المال فكيف يزكِّيه وهو لا يملكه؟ ولذلك وجدنا أنَّ المال الحرام لا زكاة فيه.