الأخبار العاجلة

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن إستلهام القصص القراّنى فى الشعر العربى المعاصر

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن إستلهام القصص القراّنى فى الشعر العربى المعاصر

بقلم \ الكاتب و المفكر خالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
مما لاشك فيه أن القرآن الكريم تحدى العرب في فنون القول وهُم فرسان الشعر وأرباب الفصاحة، وتحدَّاهم أيضًا في القصص؛ ذلك أنَّ تراثهم النثْري قبل الإسلام مليء بالقصص والحكايات والأساطير والأخبار، والأيَّام التي تعرض لحياتهم وتصوِّر العظة والعبرة فيها، ومن ثَمَّ لم يكن عجبًا أن يحفل القُرآن الكريم بألوانٍ متعدِّدة من القصَص كنموذج صادقٍ لما يجب أن تكون عليه القصَّة، حيث حوت آيات القرآن الكريم الكثير من الصُّور القصصيَّة الرَّائعة والمواقف الخالدة، التي جسدت الصراع بين الحق والباطل، وقد وجد العديد من أعلام الشُّعراء العرب المعاصرين في القصص القرآني كنزًا ثمينًا ومنهلاً عذبًا نهلوا من جمال لفظِه وروعة قصصه؛ رغبة منهم في تقْديم النموذج والمثل الأعلى الذي يجب أن يَقتفي أثره الإنسان المعاصر، ونتوقف عبر هذه السطور مع أمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم، ثمَّ من الشُّعراء المعاصرين الدّكتور محمد رجب البيومي؛ لنلمس عن قُرْب كيف استلهم هؤلاء الشُّعراء القصص القرآني.

بداية:
نبدأ رحلَتَنا مع أمير الشعراء “أحمد شوقي” الَّذي نهل من معين القصَص القرآني، فيكتُب في قصيدته الشَّهيرة “كبار الحوداث في وداي النيل” قصَّة سيِّدنا موسى – عليْه السَّلام – وانتِصار عقيدته على عقيدة الشِّرْك وعبوديَّة الإنسان للإنسان زمن فرعون، وقد بدأ شوقي هذه القصَّة بتمهيدٍ وصَف فيه ما كان يُعانيه المجتمع من تخبُّط وجهل قبل مجيء موسى – عليْه السَّلام – بالدين الحق، فيقول:
رَبِّ هَذِي عُقُولُنَا فِي صِبَاهَا نَالَهَا الخَوْفُ وَاسْتَبَاهَا الرَّجَاءُ
فَوَلِهْنَاكَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِي الرُّسْ لُ وَقَامَتْ بِحُبِّكَ الأَعْضَاءُ
وَوَصَلْنَا السُّرَى فَلَوْلا ظَلامُ الْ جَهْلِ لَمْ يُخْطِنَا إِلَيْكَ اهْتِدَاءُ[1]

ثمَّ يعرض شوقي بعد ذلك لقصَّة سيدنا موسى – عليْه السَّلام – مع فرعون، وكيف أنَّ موسى أتى بالمعجزات والبراهين السَّاطعة، وفي مقدّمتها معجزة العصا التي أثبتت عجْزَ فرعون وبطلان زعمِه، والذي أخذ يذكر موسى – عليه السَّلام – بأنَّه نشأ وتربَّى في قصرِه مشيرًا شوقي في ذلك إلى الآية الكريمة: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} [الشعراء: 18]، إلاَّ أنَّ موسى – عليه السلام – كان أكثر حبًّا وإخلاصًا لله، وهذا من شِيَم وخصال الأنبِياء، فيقول شوقي:
وَاتَّخَذْنَا الأَسْمَاءَ شَتَّى فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى انْتَهَتْ لَكَ الأَسْمَاءُ
حَجَّنَا فِي الزَّمَانِ سِحْرًا بِسِحْرٍ وَاطْمَأَنَّتْ إِلَى العَصَا السُّعَدَاءُ
وَيُرِيدُ الإِلَهُ أَنْ يُكْرِمَ العَقْ لَ وَأَلاَّ تُحَقَّرَ الآرَاءُ
ظَنَّ فِرْعَوْنُ أَنَّ مُوسَى لَهُ وَا فٍ وَعِنْدَ الكِرَامِ يُرْجَى الوَفَاءُ
لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ يَوْمَ رَبَّى أَنْ سَيَأْتِي ضِدَّ الجَزَاءِ الجَزَاءُ
فَرَأَى اللَّهُ أَنْ يَعُقَّ وَلِلَّ هِ تَفِي لا لِغَيْرِهِ الأَنْبِيَاءُ[2]

ويتناول شوقي في مقطع آخر من هذه القصيدة مولدَ السيِّد المسيح – عليْه السَّلام – وما صاحبَه من معجزات وإشارات ازْدهى بها الكون، حيثُ سرتْ معجزة ميلاد المسيح آيةً عُظْمى أرشدتِ النَّاس إلى عبادة الله – سبحانه وتعالى – بما حملتْ رسالتُه من معاني الحب والخير والسلام للبشَر، حتَّى رفعه الله – عزَّ وجلَّ – إلى السَّماء، فيكتب شوقي قائلاً:
وُلِدَ الرِّفْقُ يَوْمَ مَوْلِدِ عِيسَى وَالمُرُوءَاتُ وَالهُدَى وَالحَيَاءُ
وَازْدَهَى الكَوْنُ بِالوَلِيدِ وَضَاءَتْ بِسَنَاهُ مِنَ الثَّرَى الأَرْجَاءُ
وَسَرَتْ آيَةُ المَسِيحِ كَمَا يَسْ رِي مِنَ الفَجْرِ فِي الوُجُودِ الضِّيَاءُ
تَمْلأُ الأَرْضَ وَالعَوَالِمَ نُورًا فَالثَّرَى مَائِجٌ بِهَا وَضَّاءُ
لا وَعِيدٌ لا صَوْلَةٌ لا انْتِقَامٌ لا حُسَامٌ لا غَزْوَةٌ لا دِمَاءُ
مَلِكٌ جَاوَرَ التُّرَابَ فَلَمَّا مَلَّ نَابَتْ عَنِ التُّرَابِ السَّمَاء[3]

وننتقل إلى شاعر النيل حافظ إبراهيم، الذي امتاز في شعره بالبساطة والوضوح والثقافة الإسلاميَّة العميقة، حيث نهل من معين القصص القرآني وظهر ذلك جليًّا في قصيدة الشمس التي سرَد فيها جوانب من قصَّة سيدنا إبراهيم – عليْه السَّلام – مستلهمًا النَّصَّ القرآني الكريم الذي ورد في سورة الأنعام؛ {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى القَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 74 – 78].

وقد مهَّد شاعر النيل لهذه القصَّة القرآنية ببيْتين من الشعر، صوَّر فيهما ظهور الشَّمس ثمَّ كيف أنَّ النَّاس قد انبهروا بها عند بزوغِها في كلّ صباح، فتطرَّق بعضهم إلى عبادتها وتفضليها على القمر الذي لا يفوقها شعاعًا وضياءً، فيقول:
لاحَ مِنْهَا حَاجِبٌ لِلنَّاظِرِينْ فَنَسُوا بِاللَّيْلِ وَضَّاحَ الجَبِينْ
وَمَحَتْ آيَتُهَا آيَتَهُ وَتَبَدَّتْ فِتْنَةً لِلعَالَمِينْ[4]

ثمَّ انتقل بعد ذلك إلى جوهر القصيدة مصوِّرًا صراع سيدنا إبراهيم – عليه السلام – بين الشَّكّ واليقين والحيرة والتردّد وصولاً إلى الخالق – عزَّ وجلَّ – ثمَّ حواره مع قومه من عبَدة الشَّمس الذين انبهروا بها فضلُّوا الطَّريق إلى عبادة الخالق – عزَّ وجلَّ – فيقول:
جَالَ إِبْرَاهِيمُ فِيهَا نَظْرَةً فَأُرِي الشَّكَّ وَمَا ضَلَّ اليَقِينْ
قَالَ: ذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ: “إِنِّي لا أُحِبُّ الآفِلِينْ”
وَدَعَا القَوْمَ إِلَى خَالِقِهَا وَأَتَى القَوْمَ بِسُلْطَانٍ مُبِينْ
رَبِّ إِنَّ النَّاسَ ضَلُّوا وَغَوَوْا وَرَأَوْا فِي الشَّمْسِ رَأْيَ الخَاسِرِينْ
خَشَعَتْ أَبْصَارُهُمْ لَمَّا بَدَتْ وَإِلَى الأَذْقَانِ خَرُّوا سَاجِدِينْ
نَظَرُوا آيَاتِهَا مُبْصِرَةً فَعَصَوْا فِيهَا كَلامَ المُرْسَلِينْ[5]

ثمَّ تطرَّق شاعر النِّيل بعد ذلك إلى فوائد الشَّمس، وما تضفيه على الكون من جمالٍ وروْنق وبهاء مختتمًا قصيدته ببيتين يوضِّح فيهما حكمة القصَّة القرآنيَّة، التي بيَّنت أنَّ الشَّمس من مخلوقات الله – عزَّ وجلَّ – ومن الآيات الدَّالَّة على وجود الله خالقها ومبدعها، فيقول:
صَدَقُوا لَكِنَّهُمْ مَا عَلِمُوا أَنَّهَا خَلْقٌ سَيَبْلَى بِالسِّنِينْ
أَإِلَهٌ لَمْ يُنَزِّهْ ذَاتَهُ عَنْ كُسُوفٍ بِئْسَ زَعْمُ الجَاهِلِينْ[6]

ونختتم رحلتَنا مع الشَّاعر الدكتور/ محمَّد رجب البيومي، الذي تأثَّر تأثرًا واضحًا بروعة القصص القرآني، فأفرد لذلك ديوانًا كاملاً يحمِل عنوان “من نبع القرآن” يحتوى على خمس عشرة قصيدة من الشِّعر المقفَّى الموزون، جال خلالها الدكتور البيومي مستلهمًا القصص القرآني في لوحات متكامِلة المشاهد، متعانقة الصور، متوهِّجة اللغة والمعاني، ونقتطف له هذه الأبياتَ التي يصوِّر فيها الصراع بين ابني آدم، حيث نسجَها الدكتور البيومي في ثوب قصصي قشيب متماسِك الألفاظ والمعاني، مهتديًا في ذلك بالنصِّ القرآني الكريم الذي يُخاطب فيه قابيل نفسَه بعد حادثة قتْل أخيه: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ} [المائدة: 29]، فيفتتح القصيدةَ بوصْفِ مشاعر الحسد والحقْد التي دفعت قابيل إلى ارتِكاب هذه الجريمة البشعة فيقول:
عَظُمَ الشَّرُّ بَيْنَ نَفْسِي وَبَيْنِي إِنَّهَا وَحْدَهَا الَّتِي قَهَرَتْنِي
لَمْ تَزَلْ تُلْهِبُ الدِّمَاءَ بِذَرَّا تِي كَأَنَّ النِّيرَانَ تَأْكُلُ مِنِّي
كُلَّمَا قَدْ هَدَأْتُ أَجَّ لَظَاهَا فَمَحَا فِطْنَتِى وَشَرَّدَ ذِهْنِي
هَائِجٌ لَسْتُ أَسْتَقِرُّ وَأَنَّى وَعُرُوقِي مَشْبُوبَةٌ صَهَرَتْنِي[7]

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial