المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن ظاهرة الإنتحار
بقلم \ الكاتب و المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
مما لاشك فيه أن الله – سبحانَه – هو الَّذي خلقَ الموت والحياة، وكما لا يقدر على الخلْق إلاَّ الله جلَّت قُدْرته، فلا يجوز أن يتصرَّف أحدٌ في الإماتة والإعدام إلاَّ بِما شرع الله؛ قال تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ﴾ [الإسراء: 33].
فالأصْل في الدِّماء الحُرْمة، فلا تُراق إلاَّ بِما شرع الله، مثل: القصاص، وردّ العدوان، إلى غير ذلِك من الأسْباب الَّتي ليس من بينها – قطعًا – إزهاقُ النَّفس بالاختِيار، وهو ما يسمَّى: (الانتحار)، فمَن تَجاوز ذلك، فقد باء بغضَب من الله؛ لأنَّه تعدَّى على قضاء الله وأحْكامِه؛ ففي الصَّحيحَين من حديث أبِي هُريرة – رضي الله عنْه – أنَّ النَّبيَّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم – قال: ((مَن تَردَّى من جبل فقَتَل نفسه، فهو في نارِ جهنَّم يَتردَّى فيها خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا، ومَن تحسَّى سُمًّا فقتَل نفسَه، فسُمُّه في يدِه يتحسَّاه في نار جهنَّم خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا، ومَن قتَل نفسه بحديدةٍ، فحديدتُه في يده يَتوجَّأ بها في نار جهنَّم خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا)).
يُضاف إلى ذلك تأكيدُ الإسلام أنَّ الدنيا دار ابتِلاء وامتحان، وأنَّ الإنسان خُلق في كَبَد، وأنَّه ((ما يُصيب المسلمَ من نصَبٍ ولا وصَب، ولا همٍّ ولا حزنٍ، ولا أذًى ولا غمٍّ، حتَّى الشَّوكة يشاكها، إلاَّ كفَّر الله بِها من خطاياه))، كما جاء في الحديث الصَّحيح.
ولذا، فلا يليقُ بالمسلم أن يقنطَ وييْئَسَ عند وقوع المصائب، بل عليْه أن يُواجِهَها متوكِّلاً على الله، ومستمدًّا العون منْه، ومستعينًا عليْها بما وهبه الله من سلامة العقْل، وحُسن التَّفكير، وقوَّة الإرادة، الإرادة الَّتي تجعل الإنسان يبدأ من الصِّفْر غير محبَط ولا يائس.
كما أنَّ الإسلام قد شرع جُملة من الآداب الاجتِماعيَّة، من شأنِها – عند وضْعِها موضع التَّطبيق والتَّنفيذ – أنْ تَحفظ للمجتمع تَماسُكَه، وللفرد حقوقه، وتعْصمهما من التفكُّك والضَّياع، وما أجْملَ قول الرَّسول – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مثَل المؤْمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مثل الجسَد الواحد، إذا اشتكى منْه عضْوٌ تداعى له سائر الجسَد بالسَّهر والحمَّى))! رواه البخاري ومسلم.
التكافل فريضة:
بل إنَّ الإسلام جعل التَّضامُن والتَّكافل بين أفراد المجتمع فريضةً تندرِج فيما يسمِّيه الفقهاء: فرائض الكفاية؛ لأنَّ فلسفة الإسلام في المال تقومُ على أنَّ الإنسان يَملك المنفعة فقط، بيْنما الَّذي يَملك الرَّقبة وجدير بأن يسمَّى “المالك” على وجه الحقيقة هو الله – سبحانه – قال تعالى: ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ [الحديد: 7]، فالإنسان مُستخْلَف في المال، ومُؤتمن عليه، وهو مُقيَّدُ التصرُّفِ في ماله الخاصِّ بضوابطَ وضَعها الشَّرع الحكيم، وهي ضوابطُ تَجعل من أهدافِها دائمًا تَحقيق الموازنة بين حقِّ الفرْد وحقِّ الجماعة، بين المِلْكيَّة الخاصَّة والملكيَّة العامَّة.
وفي ضوْء هذه الأهداف جاءت أحاديث الرَّسول – صلَّى الله عليْه وسلَّم – مِثْل قولِه: ((مَن احتَكَر طعامًا أرْبعينَ ليلةً، فقد برِئَ من اللَّه، وبرِئ اللهُ منْه, وأيُّما أهل عرصة أصبح فيهم امرُؤ جائعًا، فقد برِئَت منْهم ذمَّة الله – تبارَك وتعالى))؛ أخرجه الحاكِم عن ابن عُمَر، وقال الحافظ المنذري: وفي هذا المتن غرابةٌ وبعض أسانيدِه جيِّدة.