الغربية – علاء الموسوي – 21 – 3 – 2020
كانت الخيارات المطروحة متعددة ، في ذات الوقت اتضحت معالم السيناريو الذي طال الجدل حوله في روسيا، وكلها يحاول أن يجيب عن سؤال واحد: ماذا سيفعل فلاديمير بوتين هذه المرة؟ وكيف سيرتّب لبقائه في الكرملين بعد انقضاء ولايته الثانية على التوالي والرابعة منذ أن تسلم مقاليد السلطة في عام 2000؟
ولقد كان واضحاً أن «سيد الكرملين» لن يكون بمقدوره هذه المرة، تكرار سيناريو 2008 عندما تبادل الأدوار مع صديقه المقرّب ديمتري مدفيديف، واضطر إلى الانتظار في مقعد رئيس الوزراء الذي بدا ضيقاً عليه، لكنه تعايش معه لأربع سنوات، قبل أن يتوّج مجدّداً زعيماً للأمة في 2012. هذه المرة لم تعد لعبة تبادل الكراسي تصلح. ولم يعد ثمة بديل عن تعديل الدستور.
كانت الخيارات التي وضعها مقربون من الكرملين متعددة، بينها «سيناريو كازاخستان»، حيث انتقل نور سلطان نزاباييف «الرئيس الخالد» و«الشمس المضيئة» وفقاً للتعابير التي تطلقها عليه الصحافة المحلية، من مقعد الرئاسة، إلى كرسي «أعلى» حمل تسمية رئاسة مجلس الدولة، جرى تفصيله على مقاسه، ليشرف من فوقه على أمور البلاد وهي تدار، وليكون قادراً على التدخل و«تصويب» المسار إذا دعت الحاجة.
لم يكن الخيار الذي يبدو قريب الشبه بفلسفة «المرشد الأعلى» إنما بهالة شخصية خاصة وليس بإسقاط ديني، يصلح لبوتين، الذي اعتاد على مدار عشرين سنة أمضاها في الحكم على الإدارة المباشرة، وإظهار أنه سيد الموقف وصاحب القرار الأوحد. والأمثلة على ذلك كثيرة، بينها أنه كان رئيساً للوزراء عندما اندلعت المواجهات مع جورجيا في صيف عام 2008، ولم يتمكن «الرئيس» مدفيديف خلال 24 ساعة من إعلان موقف واضح، قبل أن يظهر بوتين أمام الكاميرات وكان حينها في الصين للمشاركة في افتتاح دورة ألعاب رياضية، وأعلن للصحافيين أن «المجرم يجب أن يعاقَب» في إشارة إلى الرئيس الجورجي آنذاك ميخائيل ساكاشفيلي. وعلى الفور بدأت الحرب وخلال خمسة أيام كانت الدبابات الروسية على مشارف العاصمة الجورجية تبليسي.
الخيار الثاني، كان أن يُتوّج بوتين قبل حلول عام 2024، موعد انتهاء ولايته الرئاسية، رئيساً لدولة الوحدة مع بيلاروسيا، عبر عملية اندماج كاملة تتيح وضع دستور جديد، ما يمكّن الرئيس من «المنافسة» على المنصب وفقاً لمعايير انتخابية جديدة. وحقاً، عمدت موسكو منذ نهاية العام الماضي إلى تسريع الاتصالات مع الجارة السوفياتية السابقة التي تربطها بروسيا معاهدة اتحاد منذ عشرين سنة بقيت عملياً حبراً على ورق. وأعلن الكرملين أن خطوات واسعة تُتخذ لتسريع عملية الاندماج. لكن ما أعاق التقدم في هذا المسار هو «عناد» الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاتشينكو، آخر الزعماء السوفيات وآخر «الديكتاتورات» في أوروبا، وفقاً لتعبير أطلقه الأميركيون عليه، قبل أن يخففوا لهجتهم حياله أخيراً، بهدف الضغط على موسكو.
لوكاتشينكو أعلن أنه لن يسمح لـ«حيتان المال» الروس بأن «يلتهموا» بلاده، وأن يكرروا فيها ما حصل في روسيا خلال عهود الخصخصة العشوائية الكارثية في تسعينات القرن الماضي.
علنياً، وقف بعض النقاط الأساسية عقبة أمام الاندماج الكامل، بينها إصرار روسيا على الإبقاء على الروبل عملة لدولة الوحدة، فضلاً عن رفض مينسك بعض آليات دمج المؤسسات السيادية، لكن عملياً كان السؤال الأساسي يتعلق بهوية الرئيس والمنصب الذي سيشغله الرئيس الآخر.
أما الخيار الثالث، فكان تحويل روسيا إلى جمهورية برلمانية، والعودة إلى السلطة عبر غالبية مريحة في مجلس النواب، إلا أن الدراسات دلّت إلى خطورة هذا «السيناريو» على روسيا على المدى البعيد، وكما قال بوتين نفسه، فإن روسيا المترامية الأطراف، والتي تشكل مطمعاً للآخرين كونها تمتلك ثلث ثروات العالم من المواد الخام، لا يمكن أن تُحكم إلا عبر مؤسسة رئاسة قوية، ومركز فيدرالي متماسك يدير أمورها. لم يكن الروس بحاجة إلى كثير من العناء حتى يتذكروا الماضي القريب، إذ أسفر ضعف المركز الفيدرالي في تسعينات القرن الماضي عن بروز النزعات الانفصالية التي وجدت من يدعمها من الخارج.