الغربية – خاص – احمد الدليمي – 5 / فبراير / 2025
في ليلة مسرحية استثنائية، حضرنا عملاً فنياً يختلف عن أي عرض آخر، عملٌ لا يروي قصة شخصيات عادية، ولا يدور حول صراعات بشرية مألوفة، بل يغوص في قلب مأساة كونية صنعها الإنسان بيديه.
“U92” مرآة تعكس المستقبل القاتم الذي قد ينتظر البشرية إذا استمر العبث بالطبيعة، عملٌ حمل توقيع المخرج مهند علي و بإشراف مدير عام دائرة السينما والمسرح الدكتور جبار جودي ، ليضع الجمهور أمام الحقيقة الأكثر رعباً : الإنسان هو العدو الأول لكوكبهِ ولذاته أيضاً.
2092 حين تصبح الأرض سجناً خانقاً اول عمل مسرحي يهتم بشكلٍ رئيسي بالتغير المناخي ، إذ لم تعد الأرض ذلك الكوكب المعطاء، بل تحولت إلى بؤرة قاتمة من التلوث والخراب. التقدم الصناعي والتكنولوجي، الذي كان يوماً رمزاً للازدهار، أصبح لعنة تلاحق الأجيال.
هواء ملوث، مياه مسمومة، سماء لا تعرف سوى الدخان، وأرض فقدت خضرتها، بل حتى الملائكة نفسها ندمت على نزولها إلى عالم لم يعد يشبه الجنة التي كان عليها يوماً.
لكن المأساة لم تكن في البيئة وحدها، بل في التحولات التي أصابت البشر أنفسهم مع هذا الخراب، لم يفقد الإنسان فقط موارده بل فقد إنسانيته أيضاً عاد إلى غرائزه البدائية إلى شريعة الغاب حيث لا مكان إلا للأقوى. أصبحت الأخلاق مجرد وهم والتعاطف ضعفاً والقوة هي القانون الوحي .
لم يكن الإنسان بحاجة إلى عدو خارجي فقد تحول هو ذاته إلى وحش يلتهم نفسه وهذا هو واقع نعيشه باشكالٍ مختلفة.
لم يكن “U92” عرضاً ترفيهياً، بل كان “جرس إنذار”، تحذيراً ينبض بالحياة فوق خشبة المسرح، يصرخ “أنقذوا الأرض قبل أن تبتلعكم”.
الممثلون الشباب برعوا بأدوارهم ولم يكونوا مجرد شخصيات في قصة خيالية بل كانوا شهوداً على الكارثة من رحم المستقبل الذي بدأنا نعيشه لينذروا الحاضرين بأن هذا المصير ليس بعيداً بل هو أقرب مما يتخيلون.
الديكور، الإضاءة، الموسيقى، جميعها تكاتفت لتخلق عالماً خانقاً، يجعل المشاهد يشعر برعب المستقبل وكأنه يعيش فيه. الألوان القاتمة، الأصوات المشوشة، كل تفصيلة كانت تصرخ: هذا ليس خيالاً، هذا ما سيحدث إن لم نتدارك الأمر.
ما يميز “U62” ليس فقط فكرته، بل جرأته في طرح قضية التغير المناخي بطريقة مسرحية غير تقليدية نجح العمل فيها بكسر الحواجز بين الفن والعلم، بين المسرح والقضية البيئية، التي تتبناها المؤسسات المتخصصة ليؤكد أن المسرح ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل يمكنه أن يكون أداة تغيير، وسلاحاً في معركة الوعي.
حين أُسدل الستار، لم تكن نهاية المسرحية مجرد مشهد أخير، بل كانت بداية سؤال يُطرح على كل مشاهد غادر القاعة : هل كان هذا مجرد عرض مسرحي، أم أنه انعكاس لما ينتظرنا حقاً ؟
فهل نستجيب لهذا النداء، أم ننتظر حتى يصبح الواقع أشد قتامة مما عرضته خشبة المسرح؟
من كل ذلك لا يسعني إلا أن أتقدم بأسمي وفريق التغيرات المناخية في وزارة الثقافة والسياحة والآثار بجزيل الشكر والتقدير إلى كادر العمل وإدارة السينما والمسرح وكل من ساهم في هذا العمل الفريد، لأن الفن حين يحمل رسالة يصبح أقوى من أي خطاب، وأبلغ من أي تحذير علمي جاف.
منتصر صباح الحسناوي
مدير عام دائرة قصر المؤتمرات
رئيس لجنة التغيرات المناخية في وزارة الثقافة والسياحة والاثار