بقلم منتصر صباح الحسناوي – رمزية العلم وحدود الجدل
في مجتمعاتٍ تعيشُ على وقعِ المزايدات السياسية والطائفية، يمكن لحدثٍ بسيط أن يتحول إلى قضية رأي عام، ويأخذ أبعاداً تتجاوز حجمه الطبيعي.
هذا ما شهدناه في الجدلِ الأخير حول رفعِ بعض الزوّار الإيرانيين علم بلدهم في أماكن عامة داخل العراق أثناء الزيارة الأربعينية، إذ تباينت ردودُ الأفعال بين القبول والرفض، وبين التفسير الرمزي والتأويل السياسي.
وما دفعني لكتابة هذا المقال هو حساسية الموضوع والجدل فيه في بيئة ما زالت مثقلة بتاريخٍ من الاستقطاب، إذ تتداخل فيها الذاكرة السياسية مع المواقف اليومية.
في الأصل، فإنَّ رفعَ “علم بلدك” بشكل شخصي في السفرات السياحية أو أثناء الزيارات أو خلال المؤتمرات والفعاليات الدولية يُعد تعبيراً طبيعياً عن الانتماء والاعتزاز بالوطن.
كثيرٌ من الوفود والأفراد حول العالم يقومون بهذا الفعل للفت الانتباه إلى حضورهم أو لإبراز هويتهم الثقافية، وهو سلوكٌ مألوفٌ ومقبولٌ دولياً، ما دام يتّم في فضاءات عامة وبطريقة حضارية.
لكن إذا انتقل الأمرُ من البعد الشخصي إلى الرسمي، أو جرى داخل أماكن لها بروتوكولات خاصة، فإنَّه يخضعُ حينها للقوانين المنظمة لترتيب الأعلام ووضعها، سواء كانت قوانين دولية أو وطنية.
وهذه القوانين تقيّد رفعَ الأعلام في الإطار الرسمي أو شبه الرسمي، لكنها لا تستهدف الاستخدامات الشخصية العابرة التي يقوم بها السياح أو المشاركون في الفعاليات.
غير أن ما حدث مؤخراً تجاوز هذه الحدود، إذ جرى تضخيم المسألة في الخطاب العام وتفسيرها كرمز للتبعية السياسية أو كأداة لاستحضار الاستقطاب الطائفي.
وهنا تنقلبُ قضيةٌ بسيطة إلى وقودٍ للانقسام في حين أن التعامل معها في إطارها القانوني والبروتوكولي كان كافياً لاحتوائها.
وإذا قلبنا المشهد، ونظرنا إلى مئات وربما آلاف العراقيين الذين يرفعون العلم العراقي في مناسبات دولية ومهرجانات رياضية وثقافية حول العالم، لوجدنا أن الدول المضيفة تتعامل مع ذلك بالاحترام أو التجاهل الإيجابي، بوصفه تعبيراً عن فخرٍ شخصي لا عن موقفٍ سياسي.
هذا المثال وحده كفيلٌ بأن يجعلنا نتساءل: كيف نريدُ من الآخرين أن يتعاملوا معنا حين نرفع علمنا، إذا كنا نحن نحمّل فعل الآخرين فوق ما يحتمل؟
إنَّ حساسية الأمر في واقعنا نتاجُ تراكمٍ لعقود من الأحداث والصراعات التي جعلت من الرموز مساحةً للتأويلات الحادة، ولذلك فإن إدارة مثل هذه القضايا تحتاج إلى وعي عام يميز بين السلوك الفردي العابر والممارسات المنظمة ذات البعد السياسي.
وربما يكون التحدي اليوم هو أن نتعامل مع هذه الرموز بما يعززُ الثقة والاحترام المتبادل داخل الوطن