المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن ثقافة الطفل العربي
بقلم \ الكاتب و المفكرالعربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
مما لا شك فيه أن توجيهات الإسلام جاءت لرعاية النشء من قبل أن يكون الطفل، حيث شملته الرعاية الإلهية وهو ما زال في بطن أمه، حملا، ثم جنينا في أحشائها، ورضيعا، ثم طفلا متفتحا لاستقبال الحياة بما فيها، ثم شابا تجري في عروقه دماء الحيوية.
من هذا المنطلق حث الإسلام الوالد على رعاية ولده، والوالدة على السهر على ولدها، ولقد كان رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” يحث الناس على رعاية أولادهم وحسن تربيتهم، وكان ” صلى الله عليه وسلم” يوازن بين العطف والرحمة والمرح مع الأطفال وبين التوجيه الجاد والتربية الصحيحة، قال ” صلى الله عليه وسلم”
: «ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن».
بداية نذكر أن صياغة فكر الطفل يتم تأسيسها منذ نعومة أظفاره، فيشب على ما شاهده، وتتعود عيناه على ما يطالعه في مجالات مختلفة، وتتعود أذناه على سماع ما زرع في وجدانه، وذلك في وجود القدوة، متمثلة في والديه، وحسب قول الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه
ومن هنا تتضح أهمية وجود القدوة الحسنة للطفل داخل الأسرة ذاتها، يتشرب منها عاداته وتقاليده وفكره وكل شيء يراه. وصياغة فكر ووجدان الطفل الصياغة الثقافية الصحيحة وزرع المبادئ والقيم الخلقية فيه منذ الصغر ترسمان له طريق حياته ومستقبله، بل نستطيع القول إن ما ترسخ في وجدان الطفل سيكون النبراس الهادي له الذي يستضيء به وينير حياته المستقبلية.
وثقافة الطفل تمر بمرحلة شائكة ومنعطف خطير يجب العمل على تصحيح مسارها من الآن، والعمل على ذلك باكرا قبل أن تستفحل المشكلة، وهذا يتطلب العمل الجاد وأن تؤخذ الأمور بجدية، ويتم العمل بنشاط ودون تراخ. وبداية يجب تعويد الطفل على التوجه إلى كتب معينة تم وضعها بواسطة خبراء في تربية الطفل؛ كي نضمن عدم احتواء تلك الكتب على سموم وأفكار مستوردة من معامل الغرب. كما يجب على أفراد الأسرة الترحيب بأي أسئلة يوجهها الطفل إليهم، وبالذات الأب والأم، وإنشاء علاقة حميمة بين الطفل والكتاب الذي ينتقيه له الأب. والواقع إن الأطفال الذين لم يشهدوا الكتب وهم صغار حدث لهم جفاء وهجر وملل للكتب وهم كبار، لأنهم لم يألفوها، وتلك مشكلة عدم وعي الأسرة. وإن رؤية الأطفال للكتب والجلوس أمامها من الأمور التربوية لجذب نظر الأطفال إلى الكتب والتعود على التعامل معها، كما يعطي أمانا وحسن الجوار لما تحويه من معرفة».
ومن المهم جدا أن نقوم بصب الثقافة العربية الأصيلة في عقل الطفل ووجدانه، وأن يتشبع بها تشبعا تاما بما ينعكس بالإيجاب على سلوكياته عامة وعلى فكره ووجدانه خاصة، وهذا يجرنا إلى القول إنه يجب علينا المحافظة على ثقافتنا العربية القوية وأن نقبض عليها بيد من حديد حتى لا نقع في يد ثقافة مصنوعة ومخصصة ومعلبة لاستهلاكنا الثقافي بشكل يهدم قيمنا وعاداتنا وثوابتنا وموروثاتنا، وهي أمور يصعب تنفيذها إذا توانينا عن السير في طريقها واخترنا السير في الطريق السهل الممتلئ بالأشواك. «إننا نومن بأن لكل شعب ولكل أمة وكل بلد ثقافته الخاصة، تتدفق عبر الحاضر من الماضي ولا بأس من روافد تصب في هذا النهر لتضيف إليه وتثريه، أما محاولة اقتلاع ثقافة ما وإحلال أخرى مكانها فأمر غير مقبول ولا معقول، ولقد حاول الاستعمار القديم وأخفق، كما حاولته معنا الكتلة الشرقية إبان الحرب الباردة ولم تنجح في صبغ نهر ثقافتنا بلونها الأحمر». «إن ثقافتنا العربية عريقة وأصيلة وعميقة الجذور ويستحيل اقتلاعها، ونحن لا نريد لعقول أطفالنا أن تصبح رفوفا توضع عليها أحدث ما تنتجه التكنولوجيا، بل نريد لعقولهم أن تتدرب وتجهز لتكون فاعلة ومشاركة في صناعة وإبداع التكنولوجيا كل ذلك في إطار قيمي وخلقي يقوم بعملية تنمية للطفل قبل تنمية الثروة المادية. فكل الأديان تحث على بناء الطفل بناء لا عوج فيه، وديننا الحنيف يدعو إلى بناء الطفل على الفطرة التي خلقها الله عليها وهو سبحانه وتعالى أعلم بخلقه». ولقد فطن العالم إلى أهمية تنمية الإنسان قبل تنمية الثروة فجاء في إعلان كوكويورك عام 1971 ما يلي «يجب أن تهدف التنمية إلى تطوير الإنسان لا تطوير الأشياء». وأيضا يجب ألا ندع أطفالنا عرضة للتيارات الثقافية القاتلة الوافدة من الخارج، سواء كانت روايات أو قصصا أو أفلاما كرتونية أو أفلام خيال علمي…إلخ، والتي تم صنعها في مجتمعات غريبة عنا في تقاليدها وعاداتها وقيمها ومورثاتها وتاريخها. ويجب أن نفهم الطفل أن لدينا الكثير والغزير من ثقافتنا الأصيلة، وأن لدينا ثقافة وأدبا يضاهيان نظيريهما الوافدين، بل إنهما يتفوقان عليهما، بفضل ثقافتنا الأصيلة ونبعها الروحي والديني الصافي والخالي من الشوائب، لأن ثقافتنا تتصل بتاريخنا وماضينا، وهما ينميان الهوية بما لا يدع مجالا للشك. ونذكر في هذا المجال أن ثقافتنا العربية ذات أصول ثابتة على مر الأيام والعصور، وهي التي أنارت حضارات الكثير من البلدان وما زالت تعطي وتمنح اللغة العربية دورها في هذا المجال.
