بــ قلم الدكتورة غدير سلام الشمري – التدريسية في جامعة بغداد – السيدة الشجاعة زينب بنت علي(عليهما السلام) في الفكر الاستشراقي (الغربي)


في أعقاب الحرب العالمية الثانية نشر المستشرق الأوروبي (إدوارد مونتاغيوا ) مقال له في إحدى الصحف البريطانية تحدث فيها عن شخصية السيدة الشجاعة السيدة زينب (عليها السلام). والكلام هنا للمستشرق إدوارد سأنقله لكم كاملاً . يقول: هذا المستشرق “لقد فتشنا في كتب العرب التاريخية كإبن الاثير و المسعودي وغيرهم من فحول المؤرخي فعثرنا على خطبة للسيدة زينب، ومن فقراتها: ” فكد كيدك واسع سعيك فولله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولن تُدرِك أمدنا”
من هي هذه المرأة؟!! إن أقوالها تفلق الحجر لقوتها وهي امرأة! إنها تهدد عرشاً عظيماً عرش يزيد بن معاوية. وحسب ما تعرفنا على سيرته هو من أشباهنا نحن الغربيين ..نحن في أوروبا نتعاطى الخمور و نتسلى بالمراقص الليلية و نتسامر عبر العلاقات المحرمة وغيره الكثير أما زينب فهي شبيهة بالسيدة العذراء!
حقيقة نعترف فيما بيننا أن هذه المرأة تشكل خطراً كبيراً يهدد ليس فقط عرش يزيد بل كل عرش مثل عرش يزيد . إذن زينب تهددنا نحن أيضاً! من أين قطعت أن يزيد لن يكون بإمكانه محو ذكرها هي وعائلتها إن هذا التحدي يجب أن يوضع على طاولة البحث والتحليل و من أين قطعت أن رأيه سيكون بدداً و أن عرشه سيسقط! إن السيدة العذراء عندنا لم تتحدى الأمبراطور الكبير و لا زعيم كهنة الكنيسة إذن زينب أخطر من العذراء بكثير!! لكن ما هي القوة التي كانت تهدد بها مملكة يزيد.. هذا ما يدفعنا للتأمل و التخوف.. إن زينب هذه يجب أن تموت ويجب أن لا تأتي زينبيات أخريات وإلا هلكت عروشنا.. يجب أن نقتل كل زينب !!ولذا يتحتم علينا معرفة كل من تحمل من زينب أي مبدأ أو قيم أو خلق أو فكر أو سياسة فنضع لها كميناً نسحقها به و نقلل من شأنها.. علينا أن نؤسس ثقافة تطارد_زينب وتحطمها فلا تجد لها من يقتدي بها فيموت أثرها شيئاً فشيئا فتخلو لنا عروشنا. أعزائي نحن نقدس السيدة العذراء ولكن لم نحسب لها اي حساب سياسي.. أما هذه الزينب في حسابنا السياسي لها يفوق كل حساب آخر..
فيقول لهم هذا المستشرق: الآن فقط عرفتم أعزائي السبب الذي جعل أخاها يصطحبها في معركته الحامية و التي يبدو أنه يعلم أن هذه المعركة لا تبقي ولا تذر . يجب أن نخطط للسنوات القادمة لنسلب من زينب أهم عوامل القوة، ولكي ننجح علينا بصناعة ثقافات و تيارات مضادة لا بد أن نقنن و نسن قوانين وسنن تخدمنا في تنفيذ فكرتنا علينا أن نوجد بديلاً عن تلك المرأة البطلة العملاقة يتمثل في امرأة تلهث وراء الماديات والشكليات .
لا بد من إشغالها بالموضى و كل جديد من الميك آب و أخبار الفنانين و إغراقها في قصص الحب والخيال. لا بد أن نقضي على فطرة الحياء التي بداخلها ولن نستطيع إلا بالحيل و الإيهام بالموضة واستخدام مصطلحات براقة تنخدع بها ومن ثم تنجرف خلفها بسهولة وشيئاً فشيئا تستوعبها وتقتنع أنها إن لم تجاريها ستفقد انتمائيتها للمجتمع الحضاري وستوصم بالتخلف والرجعية. والمرأة تحزن لوصفها بالرجعية والتخلف أكثر من حزنها لوصفها بالتهاون في القيم الإسلامية إلا صنف زينب فإنه سيصمد وسيبقى يتمتع بقوة الفكر وعدم الاكتراث للموضة والمظاهر وسيتثبث بالقيم الاسلإمية والروحية كلما حاربه التيار المضاد أكثر . اذا استطعنا تفريغ المرأة من شخصية زينب و بقايا زينب فذلك بداية الانتصار. اعلموا أنكم لن تستطيعوا تفريغ رجال المسلمين من محتواهم الفكري والأخلاقي ولكن المرأة هي من تستطيع تفريغهم من ذلك فأوكلوا لها المهمة وكافؤوها بالمديح وإغداق المصطلحات الجميلة أسمعوها بأستمرار كلمات تنسيها قيمها من قبيل: كوني عصرية في أفكارك ذات جاذبية و سحر خلاب…الخ. إصنعوا لها أزياء تكشف مفاتنها وشيئاً فشيئاً طوروا هذه الأزياء إلى أن تكون قد تدربت على خلع الحياء فيسهل عليها التعري أمام محارمها وغير محارمها حينها سينشغل بها الرجل وتتأجج غرائزه ؛ إن كان شاباً انصرف عن ثورة الشباب الواعي وإن كان كهلاً انصرف عن حكمة الكهولة والنضج و إن كان شيخاً انصرف عن الاستفادة من تجارب سنوات عمره . مثل هذه المرأة كفيلة بتربية نشئ مفرغ من محتواه، فهي لن تربي أبناءها إلا على ما استساغته، سخروا وسائل الإعلام من كتب مجلات مسلسلات أفلام برامج .. لتشتغل بكاملها على هذه المهمة و بعد سنوات وافونا بالنتائج الباهرة اخلطوا عليها الدين بالحضارة بالموضة اجعلوها تمارس دينها وشعائر دينها و لكن دون أن يكون له أي تأثير حقيقي على روحها، بل على طريقة الطقوس عندنا مجرد أداء، حاولوا قدر ما تستطيعون إدخال فكرة الاستهجان في ذهنها عن واقعة عاشوراء. ولكن هؤلاء الغربيون لا يستطيعون طمس شخصية زينب(عليها السلام) كون زينب عليها السلام بليغة عالمة فاضلة، فمن الصنائع البلاغية التي استعملتها زينب (عليها السلام) فلا يمكن إحصائها في هذه العجالة ولا يسعنا إلا أن نشير إلى بعض منها حتى نروّي قليلاً من غليلنا. – براعة الاستهلال وحسن الختام: نستهل ببراعة الاستهلال وحسن الختام الصنعتين اللتين تدلان على كفاءة الخطيب وقوّته في انسجام الكلام وتنسيقه، فنراها أوّلاً تبدأ وتختم بالحمد والشكر وهذا يدلّ على نفسها السلمية وضبطها جماح النفس بعدما لاقتها من المصائب والتوترات كما يدل على ثباتها واعتقادها بالمسير الذي انتخبته وسلكته بقوة وسداد ثم تتمسك بالآية التي تبيّن عاقبة المجرمين وتعنّتهم أمام الآيات الإلهية والبدء هذا يهدّم الأفكار الخبيثة والأوهام التي تورّط فيها يزيد بوجوده كله. وبهذه الضربة العنيفة تجعل الجماعة مبهوتين وتنتقل إلى إلقاء كلمتها وإنارة أفكار المدهوشين في ذلك المجلس كما تحسن الختام في تذكارها خلود الوحي وأهل البيت وعدم دوام الحكم للغاصبين حيث تقول:
“فواللّه لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا يرحض عنك عارها وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة اللّه على الظالمين”

وعندما نأتي إلى بلاغتها بالاستناد إلى الآيات القرآنية واقتباسها من سلالة الوحي وابنة التأويل، فها هي تختار وتؤوّل وتبيّن إما صراحة واستناداً وإما إشارة واقتباساً.
فهي تصيح في وجه يزيد لما رأت غطرسته: (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما)
تهدّده بمحضر يوم القيامة أمام حاكم عادل يحاسبه بما فعل وقدّم مشيرة إلى الآية الكريمة(حين لا تجد إلا ما قدّمت يداك، وما اللّه بظلام للعبيد)
وتعتز بربها وتذكره في مواقف أخرى عديدة وتقول:(حسبنا اللّه ونعم الوكيل)
وهناك أساليب بلاغية أخرى: كثير من الصنائع اللفظية والمعنوية مستعملة في كلام السيدة زينب كالجناس والسجع والمقابلة ومراعاة النظير كما تستفيد من أدوات التأكيد وافراً لإبلاغ ما ينكره القوم أو بعضهم أو يشككون فيه.
ولكن نرى الاستفادة من بعض الأساليب أكثر من غير ونلمس تركيزها عليها ومن هذه الاستفهام والأمر.
إنها توظف الاستفهام، إنكارياً مرةَ وتوبيخياً مرة أخرى وتهكمياً في أحيان كثيرة، ولا يكون ذلك إلا لتأثيره على المخاطب بحيث يجعله في موقف الانفعال والرجوع إلى الضمير ويحث في نفسه بلا اختيار البحث عن الإجابة ويشغله في نفسه.
في الواقع الخطيب يقنع المخاطب لا بكلماته الصريحة بل بإجابات المخاطب الداخلية وباقتناعها النفسية ولو لم يتفوه بها.
وهذه نماذج مما ذكرنا: مخاطبة أهل الكوفة: أتدرون أي كبد لرسول اللّه فريتم وأي دم له سفكتم؟!
ومخاطبة يزيد: أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك نساءك وإماءك وسوقك بنات رسول اللّه قد هتكت ستورهنّ؟!
أو في مجال أخر: أتقول ليت أشياخي ببدر شهدوا غير متأثم ولا مستعظم؟ كما تستعين السيدة بأسلوب الأمر (الصيغة التي تكمن في ذاتها الطلب من الأعلى إلى الأسفل ومعلوم بأن منزلة الآمر أرقى من المأمور).
وبهذا تلقن المتلقى مكانتها وتتكلم بالعزة حتى في الإسارة.
و كثيراً ما يخرج الأمر في تلك المواقف من معناه الأصلي إلى التنديم والتوبيخ والتهكم كما تخاطب أهل الكوفة: أي واللّه فابكوا فإنكم واللّه أحرياء بالبكاء.
أو تواجه يزيد موعدة له: كد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك، فواللّه لايرحض عنك عار ما أتيت إلينا أبدا.
كما توقفه من الطغيان والعصيان آمرةً، وتستعمل من أقسام الأمر، الأسلوب والكلمات التي يحمل الثقل والحدة والقاطعية كأستعمالها اسم الفعل والتكرار: “فمهلا مهلاً يا ابن الطلقاء”
كما نرى استعمال السجع في خطابها (عليها السلام) هذا الأسلوب والفن البلاغي الجميل يضيف جمال خطابها وجلاله إذ أنه عفوي وخرج من لسان امرأة عقلية بليغة من غير تكلف وتصنع حيث تقول:
“فالعجب كل العجب لقتل الأتقياء وأسباط الأنبياء وسليل الأوصياء بأيدي الطلقاء… فلئن اتخذتنا مغنماً لتجدننا وشيكا مغرماً”
وإذا تخاطب ابن زياد بهذه الإجابة:
“لقد قتلت كهلي، وأبدت أهلي وقطعت فرعي واجتثت أصلي فان يشفك هذا فقد اشتفيت…
تهافت غيظ ابن مرجانة وراح يقول:هذه سجاعة،لعمري لقد كان أبوها سجاعاً شاعراً.
فترد عليه زينب (عليها السلام) :إنّ لي عن السجاعة لشغلاً”
وكما ذكرنا ما كان ما وصل إلينا منها غير حرارة عفوية ورسالة نبوية خرجت على لسان علوي وتكلم بها زينب (عليها السلام) بنت فاطمة(عليها السلام).
والطباق أيضا من الصنائع البديعية المستعملة في كلام السيدة (عليها السلام) كما نراها حين تعترض بهتك حرمة حرم رسول اللّه وسوق بناته (صل الله عليه وآله وسلم) سبايا بهذه العبارات: أمِنَ العدل يا ابن الطلقاء تحذيرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول اللّه سبايا قد هتكت ستورهنّ وأبديت وجوههن…ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والغائب والشهيد والشريف والوضيع والدني والرفيع.
كما أن الجناس يجعل كلامها مطنطناً سليساً، رائعاً يدخل في السمع لفظاً ومعنىً وينفذ في القلب شكلاً واحتواءً.
والسلام عليها سيدة البلاغة والمثل الأعلى للعزة والإباء- وقول الحق أمام سلطان جائر.
وختاماً بصفتنا نساء علينا أن نتخذ الأخلاق الزينبية مثالاً صادقاً حياً ومنهج في حياتنا، فيجب أن تكون النية خالصة لوجه الله عز وجل، عزيزتي تعلمي من مولاتي زينب(عليها السلام) أن الصبر والرضا بقضاء الله من مراكز الإيمان والحب لله، تعلمي أن لا شيء يعيق طريقها امام الحجاب رغم صعوبة الحياة. تعلمي المحافظة على الصلاة وأن كنت مقيدو بالسلاسل.أن السكوت على الطغاة محرم، أخيه الشخصية الزينبية لا تقاس في ارتداء العباءة والحجاب فقط..السيدة زينب كانت مدرسة للعفاف والحجاب وكذلك كانت إمرأة ذات شخصية قوية، لا تتبع أهوائها ولا تكن ضعيفة أمام الأجنبي، ولا تتكلم وتجادل الرجال، ولا تزاحمهم في الأدوار، كان يزيد يرتجف خوفاً عندما تكلمت وألقت خطبة كاملة بين معشر من كبار الرجال وكانت بكامل سترها وقوتها، لم تبكي ولم تصرخ ولم تخف وكانت إمرأة تعادل يزيد وجنوده، كانت واقفة شامخة كشجاعة علي، وفصيحة اللسان كجدها النبي، وعفيفة ومحتشمة الخدر كأمها سيدة نساء العالمين، ورغم كل هذا كانت النساء والأطفال أمانة لديها، وهي إمرأة وحيدة تواجه الطغيان فكانت صابرة مخططة ورسالية وقائدة، لذا على المرأة أن تعمل على شخصيتها وفكرها وتختار الفكر السامي والشخصية الجميلة كأختيار الحجاب، ونلفت هنا إلى هذه النقطة المهمة:بأن السيدة زينب(عليها السلام) ما وصلت إليه من التكامل والرقي الروحي، كان حصيلة جهودها واجتهادها في سنوات طويلة. منذ استشهاد أمها الزهراء(عليها السلام)، وهي تعمل على إكمال نفسها، علماً، وعملاً، والتفاتاً إلى مولاها رب العالمين.وكفى بزينب فخراً أنها أخذت من علم جدها رسول الله، ومن شجاعة أبيها علي، ومن صلابة أمها فاطمة، ومن حلم أخيها الحسن، ومن جهاد أخيها الحسين، فأصبحت ملتقى فضائل أهل البيت(عليهم السلام) جميعاً.

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial