الأخبار العاجلة

رئيس تحرير جريدة الأمة العربية يتحدث عن ضرورة العناية بالنشئ

رئيس تحرير جريدة الأمة العربية يتحدث عن ضرورة العناية بالنشئ
بقلم \ الكاتب و المفكرالعربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
مما لا شك فيه أن الله عز و جل خلق عبادَه على الفطرة السليمة السويَّة، وبعث الرسلَ لتقريرها وتكميلها، والناشئةُ في بكور حياتِها ديوانٌ مفتوح وسجلّ ناصع، تتلقَّى ما يرد عليها من حقٍّ أو باطل، أرضٌ تُنبِت أيَّ غراس من صحيح العقائد وفاسدِها، ومن مكارم الأخلاق ومساوئها، ((كلُّ مولود يولَد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه))[1].
وعقولُ الشباب هدفٌ لأعداء المسلمين الذين تنوّعت وسائلهم ليوقِعوا الشبابَ في شَرَكهم، وليزجُّوا بهم في وَحل الفتن تارة، ويلقوا عليهم الشبهاتِ تارةً أخرى، ليردّوهم ويورِدوهم مستنقعَ الهوى والشّهوات، ويغرِقوهم في الملهيات والمحرّمات، ولا أنفعَ بإذن الله للشباب من التحصُّن بعلم الشريعة، يزيدُ الإيمان، وينير البصيرةَ، ويهذِّب النفس، ويرفع عن دنيء الأفعال، طالبُه منظومٌ في سِلك العظماء (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11]. سلوكُه توفيقٌ للخلود في الجِنان، والخلق عنهم راضون، ولصنيعهم مستغفِرون، والملائكة لمجالسةِ أهله راغبون.
ومِن تعظيم الشريعة والدّين تعظيمُ العلماء، فهم خلَف أنبياء الله في دعوتِهم، قال – عليه الصلاة والسلام – : ((وإنَّ العلماءَ ورثة الأنبياء)) رواه أحمد[2]. حقٌّ علينا تبجيلُهم وتوقيرهم، وعلى هذا سارَ أسلاف هذا الدين، يقول الربيع بن سليمان: “ما اجترأتُ أن أشربَ الماء والشافعيّ ينظر إليَّ هيبةً له”[3]. سؤالُهم عِلم، ومجالستهم سعادة، ومخالطتهم تقويمٌ للسّلوك، وملازمتُهم حفظٌ للشباب بإذن الله من الزّلل، يقول ميمون بن مهران: “وجدتُ صلاحَ قلبي في مجالسة العلماء”[4].
ثمرةُ مجالسة العلماء ليست في التزوّد من العلوم والمعارف فحسب، بل الاقتداء بهم في الهدي والسّمت وعلوّ الهمّة ونفع الآخرين علمٌ آخر نحتاج إليه، وبُعد ناشئة المسلمين عنهم يؤدِّي إلى تخبُّطِ في طلب العِلم وإعجابٍ بالرّأي وقلّة في التعبّد.
وواجبٌ على الشباب البعدُ عن مواطن الفتَن والشّبهات والشهوات، ونبيُّنا محمّد تعوَّذ من الفتن[5]، وأمر أصحابَه بالتعوّذ منها[6]، ومن مدَّ عينيه إلى الفتن وأرخى سمعَه لها وقع فيها، يقول – عليه الصلاة و السلام – عن الفتن: ((ومن استشرف إليها -أي : تطلَّع إليها- أخذته)) رواه البخاري[7].
والإسلامُ الحنيف جاء بلزوم النورَين الكتابِ والسنّة، ونهى عن ضدِّهما ممَّا يورث القلبَ الفساد، والشبهةُ إذا وردت على القلب ثقُل استئصالُها، يقول شيخ الإسلام – رحمه الله – : “وإذا تعرَّض العبد بنفسه إلى البلاء وكَله الله إلى نفسه”[8].
والتقصيرُ في أداء الواجبات والوقوع في المحرّمات وتشبُّث الناشئ بالفضائيّات ولهثُه وراءَ المنكرات بوَّابةُ فسادٍ للأخلاق ودنَس السلوك ومرتَعٌ للأفكار المنحرفة، والقلبُ إذا أظلم بكثرة المعاصي ثقُل عليه أداء المعروف، وسهُل عليه قبول المنكَر.
وتشكيكُ الناشئةِ في المناهج الدّراسيّة يُضعِف همَّتهم في التحصيل وأخذِ المعارف منها، ومتغيِّرات الزمان وتوالي الحوادِث وتعاقُب الأحداث وحلول الفِتن يُحتِّم تكثيفَ المناهج الدينيّة والتوسُّع فيها والبسطَ في شرحها وتسهيل فهمِها للناشئة، مع عدم إثقال كاهلِ الطّلاب بكثرة المواد غيرِ الدينيّة التي يغني بعضُها عن بعض، فالحاجة مُلحَّة إلى أمور الشريعة.
وبهذه المناهج المرتكزة على الدّين والعمل بالعلم أصبحت هذه البلاد بحمد الله تزخَر بالعلماء الذين يفهَمون أحكامَ الشريعة، ويُرجَع إليهم في الفتوى والمسألة، واكتسَبوا الثقةَ والتبجيلَ في التوجيه والإرشاد والدّعوة، وبفضلٍ من الله استوزَر ممَّن درس هذه المناهجَ الوزراء الناصحون، وبرع المستشارون المؤتمَنون، وتأدَّب الأدباء المثقَّفون، وبرز الصحفيّون الإعلاميّون، ونبغ الأطبَّاء الحاذقون، وتألّق الاقتصاديّون العارفون، وتخرّج منها مَن أسهَم في بناء وتنميَة الحضارة ومقوّمات الحياة في المجتمعات، ومِن الوفاء الثناءُ على المناهِج التي كان ثمرةَ علومها.
أيّها المسلمون، الإعلام نافذة واسعةٌ على المجتمع، والشّباب بحاجةٍ إلى نصيبٍ وافر منه في التوجيه والإرشاد وفي النّصح والفتوى، والتعرّض للدين المتين باللّمز أو لأهله بالسّخريّة والغَمز يوغِر الصدورَ ويؤجِّج المكامن، والثناءُ على الناشِئة واحتواؤهم وتوجيههم طريقٌ قويم يُسلَك حمايةً للشّباب لئلا يتَلقَّفهم الأعداء بحلاوة اللسان وحُسن البيان.
والقرآن العظيم كلام ربِّ العالمين، بتِلاوته تتنزّل السكينة، وبتدبُّره يزيد الإيمان، نورٌ يُبدِّد الظلمات، قال سبحانه: (قَدْ جَاءكُمْ مّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ) [المائدة: 15]. وانتشار حلقات القرآن الكريم في بيوتِ الله في هذه البلاد ورعايةُ ولاّة الأمور لها أمرٌ يدعو إلى الفخر والاعتزاز، ولقد صان الله بها كثيرًا من الناشئة عن الانحراف، وحفِظ الله بها الدين، كَم انتفع بها من يتيم، وكم أسدَت للناشئة من معروف، وكم أوصدَت من أبواب الشرور، وكم وسَّعت من مدارِك، وكم فتحَت من آفاق، والقرآن الكريم أصلُ العلوم وأسُّها، ومنه تُؤخَذ الآداب والأخلاق. وتوجيهُ الآباء أبناءَهم لحفظ كتاب الله حفظٌ لهم من الشرور والفتن، وحصنٌ من توغُّل الأفكار المنحرفة إلى عقولهم.
والفراغ عامِل من عوامل الانحرافِ الفكريّ والسلوكيّ والأخلاقيّ، كما أنَّ الملهيات الحضاريّةَ المحظورة والمحطّات الفضائيّة لها قِسط مظلمٌ في انحراف الأفكار وتلويث المعتقدات وتسميم العقول من المتربِّصين بالشباب، والأبُ الحاذق من يمنع دخولَ تلك المحطّات والملهيات إلى داره قبل أن تذرف منه دمعة الحزن والأسى، وقبل أن يُفجَع بخبر فاجع.
أيّها المسلمون، الفجوةُ بين الوالد والولد عامِل من عوامل حَجب الابن عن إظهار مكنون صدره لوالدِه، فيبوح بما في سريرته إلى غير والده ممَّن قد لا يُحسن التربيةَ والتوجيه، ولا يحمِل له المودَّة والشفقة، وقربُ الأب من أبنائه والتبسُّط معهم في الحديث ومبادلة الرأيِ من غير إخلالٍ باحترام الوالدين سلامةٌ للأبناء وطمأنينة للآباء وقاعدةٌ في تأسيس برّ الوالدين.
والجليس سببٌ في الإصلاح أو الإفساد، ورُسُل الله عليهم الصلاة والسلام عظَّموا شأنَه، فنبيّ الله عيسى – عليه السلام – يقول: من أنصاري إلى الله؟ ونبيّنا محمّد اتّخذ له صاحبًا مُعِينًا له على طريق الدعوة، يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((لو كنتُ متَّخِذًا من أمّتي خليلا لاتَّخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخي وصاحبي))[9] وعائشة -رضي الله عنها- تقول: لم أعقِل إلا وأبويَّ يدينان الدين، وكان النبيّ يأتينا وهو بمكّة أوّلَ النّهار وآخره[10].
الجليس الصّالح يهديك للخير، يذكِّرك إذا نسيت، ويحضُّك إذا غفَلتَ، يُظهر ودَّك إذا حضرت، ويحفظُك إذا غِبت. ورفيقُ السّوء يجري خلفَ ملذاتِه وأهوائه، وإذا انقضت حاجتُه منك نبَذك، من كلّ شرٍّ يدنيك، وعن كلّ خير ينأى بك، على أمور الدنيا لا يُؤمَن، وفي الآخرة تندَم على مصاحبتِه، قال -جل وعلا-: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً) [الفرقان: 27، 28]. فجالِس الصالحين واشرُف بصحبتِهم، وابتعِد عن مصاحبة من يسوؤك في دينك ودنياك.
للمرأة دورٌ مكين في الرعاية والتوجيه، وإذا تخلَّت المرأة في دارها عن مسؤوليّتها وأخْلَت مسكنَها من نفسِها بكثرة خروجِها من منزِلها لم يجِد الأبناء حنانَ الأمومة وعطفَ الحانيَة، ولا يجدون في المسكَن معهم سِوى مَن هو مِن غير جنسِهم مِن الخدم، فيفقِدون عطفَ الوالدَة ورأفة المُشفِقة، فلا يمنَعهم ذلك للتوجّه إلى من يتلقَّفهم بمخدوع الحديثِ وأماني المستقبل، والإسلامُ ألقى على الأمِّ مسؤولية كبيرةً مشرِّفة، يقول – عليه الصلاة والسلام – : ((والزوجة راعيةٌ ومسؤولة في بيت زوجها))[11].
مِن أحضان المرأة تخرَّج العلماء وبرز النّبلاء، ولا أعظم تكريمًا للمرأة ولا أنبلَ تبجيلاً لمكانتِها من إسداء مسؤولية العقول إليها في دارها، فواجبٌ عليها القيام بأعباء تكاليفها لئلاّ تذرف الدمعَ على أولادِها، وعليها عدمُ الإصغاء إلى أبواقٍ تدعوها إلى الخروج من مملكتِها وإهمال أولادِها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء: 15].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم،

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial