الأخبار العاجلة

حــين تُـستهدف هـوية الـعراق بـــأيدي أبنائـه – هل هي فعلاً عراقية ؟

بـقلم – منـتصر صباح الـحسناوي – حــين تُـستهدف هـوية الـعراق بـــأيدي أبنائـه  -هل هي فعلاً عراقية ؟

في كل مرة يخطو العراق نحو منصة إقليمية أو دولية، تظهر أمامه موجة من التشويش الإعلامي، كأنها جدار دخان كثيف يُراد له أن يحجب الرؤية ويُربك الخطى.
قمة بغداد ليست استثناءً من هذه القاعدة إذ تحولت إلى ساحة مواجهة بين من يرى فيها فرصة لتأكيد حضور العراق كقوة جامعة، وبين من يسعى إلى تقزيمها وإغراقها في مستنقع من الأخبار الملفقة والشائعات المدفوعة.
التي تتخفى خلف يافطة “عراقية”، لكنها في جوهرها تمارس أدواراً سلبية على الواقع العراقي، سواء بوعي فاعل أو بجهل مريب او لاهداف ضيقة .

المنصات الإعلامية الرقمية، التي كان يُفترض أن تكون أداة لنقل الحقيقة وتنوير الرأي العام، تحولت لدى بعض الجهات إلى مدافع تطلق القذائف نحو كل جهد وطني.
أطراف تخشى أن تفقد امتيازاتها في ظل أي حالة استقرار، ودوائر تغذي خطاب الكراهية والشك لتمرير أجنداتها، وهنا الامر لا يتعلق باختلاف في وجهات النظر أو نقد مشروع أو حتى منافسة سياسية، بقدر ما هي منهجية تضليلية تقوم على تشويه كل ما يرتبط باسم العراق وشيطنة كل محاولة لإعادة بناء صورته “أمام العالم” .

الأخطر في هذا السلوك أن تلك الأصوات الشاذة تتعمد ضرب الأسس التي تقوم عليها الهوية الوطنية نفسها أو معززاتها.
فالمناسبات الكبرى والمؤتمرات والقمم الإقليمية والدولية، هي وسائل معنوية مهمة في تعزيز الشعور بالانتماء ورسم صورة العراق في الوعي الجمعي بوصفه وطناً حياً فاعلاً.
لذلك، يصبح استهداف هذه الفعاليات ضرباً مباشراً لمصادر الإلهام الوطنية، ومحاولة لعزل العراقي عن مشاعر الفخر والاعتزاز وإبقائه أسيراً لصورة قاتمة لا تعكس حقيقته ولا تطلعاته.

التشويش على قمة بغداد هو جزء من محاولة أوسع لإبقاء العراق في دائرة الفوضى الرمزية وزعزعة صورة الدولة في أذهان مواطنيها، للوصول الى التشكيك بشرعية المشروع الوطني وتقويض آثاره المستقبلية.

السؤال المؤلم: كيف يمكن لأصوات عراقية أن تهاجم حدثاً يسعى لرفع اسم العراق؟
الحقيقة أن الانتماء لا يُختزل بوثيقة رسمية أو مكان ولادة.
الانتماء موقف، واصطفاف في اللحظة الحرجة، من يتقاطع مع مصلحة بلده بوعي كامل، ويعمل على تشويه صورته لأسباب مصلحية أو أيديولوجية، هو في حالة انفصال معنوي عن مفهوم الوطن، حتى لو كان يحمل هويته الورقية.

ان مواجهة هذه الاصوات لا تكفي من خلال الشعارات ولا بيانات التنديد. المواجهة الحقيقية تبدأ بصناعة وعي ناضج لدى الرأي العام.
كل مواطن قادر على أن يكون جزءاً من جدار الصد ضد التشويش، عبر تحكيم العقل قبل العاطفة والتمحيص قبل النشر والبحث عن مصادر موثوقة قبل الانجراف خلف العناوين المثيرة.

كما أن على المؤسسات الرسمية أن تكون حاضرة في هذه المواجهة بالمبادرة إلى تقديم المعلومة الدقيقة، وبناء خطاب إعلامي رشيد يتفوق على خطاب الفوضى في المصداقية والتأثير.

فمعركة سرديات لا تتوقف، وان ما يجري اليوم هو صراع بين سرديتين:
• سردية العراق الفاعل، صاحب السيادة والدور المحوري.
• وسردية العراق الضعيف، المنقسم، العاجز عن جمع كلمته.

هذه المعركة لا تُحسم بحدث واحد لكنها تُكسب بمراكمة الوعي وباستمرار تقديم النموذج الذي يُثبت أن العراق قادر على تجاوز جراحه وصناعة مستقبله.
وحين يدرك العراقيون أن استهداف فعالياتهم الجامعة هو استهداف لهويتهم أولاً، سيتحول الدفاع عن تلك الفعاليات إلى دفاع عن معنى الوطن ذاته.

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial