الغربية – متابعة فاضل عيدي – 21 / أغسطس / 2025
بعد إدراج البيت الأبيض «سد النهضة» ضمن قائمة نجاحات الرئيس الأميركي
كان لافتاً إعلان «البيت الأبيض» قائمةً وصفها بنجاحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إخماد حروب بالعالم، متضمنةً اتفاقية مزعومة بين مصر وإثيوبيا، وهو الأمر الذي طرح تساؤلاً حول ما حققه ترمب فعلاً في قضية «سد النهضة» على نهر النيل، التي تثير خلافاً بين القاهرة وأديس أبابا.
واتفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» على أن «ترمب لم يفعل أي شيء بشأن أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، وما تردده إدارته عن نجاحه في حل الأزمة يعكس رغبةً في نسبة الهدوء الذي فرضه الأمر الواقع لنفسه بتصويره رجل إحلال السلام في العالم».
وأعلن البيت الأبيض في بيان هذا الشهر أن «الرئيس ترمب هو رئيس السلام»، مُدرجاً سبع اتفاقيات ثنائية مزعومة بين أرمينيا وأذربيجان، وكمبوديا وتايلاند، وإسرائيل وإيران، والهند وباكستان، ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومصر وإثيوبيا، وصربيا وكوسوفو، بالإضافة إلى «اتفاقيات أبراهام»، وهي اتفاقية تطبيع وُقعت في ولاية ترمب الأولى بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
إلا أن الكاتب الصحافي المختص بالشؤون الأميركية المقيم بواشنطن، حسن عباس، يرى أن «الواقع يقول إن الولايات المتحدة كقوة عظمى ينتظر الجميع تدخلها لحل أي نزاع وإقرار السلام، ومن ثم فأي تدخل أميركي ونجاح أميركي أساسه ثقل الولايات المتحدة، وكيفية إدارة رئيس البلاد لهذه القوة وتسخيرها لإقرار السلام، ومن ثم فالنجاح كله بالأساس لا يكون منسوباً للرئيس».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لقضية (سد النهضة)، الأمور لم تكن ساخنة إلا قبل انتهاء إثيوبيا من المرحلة الأخيرة للسد، وتخوف مصر من أن يؤثر الأمر على حصتها المائية، وحينما تدخل ترمب في ولايته الأولى لم ينجح في التوصل لاتفاق بين البلدين، وفي ولايته الحالية تحدث كثيراً عن رغبته في حل الأزمة، لكن لم نسمع أنه فعل شيئاً، وواقعياً الأمور هدأت بعد إعلان أديس أبابا الانتهاء من المرحلة الأخيرة بالسد، وتسليم مصر بالأمر الواقع، وقد يكون ذلك لأنها لمست أن السد لم يضر بها حتى الآن، بالتالي فترمب لم يخمد حرباً كما يدعي بين مصر وإثيوبيا».

ومنتصف يونيو (حزيران) الماضي، خرج ترمب بتصريح مثير للجدل عبر منصته «تروث سوشيال»، قال فيه إن الولايات المتحدة «موّلت بشكل غبي سد النهضة، الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق وأثار أزمة دبلوماسية حادة مع مصر». لكن أديس أبابا نفت ذلك بشدة، مؤكدة أن السد «بُني بأموال الشعب الإثيوبي».
وفي 4 يوليو (تموز) الماضي، كرر ترمب الحديث نفسه خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، في البيت الأبيض، قائلاً إن «الولايات المتحدة موّلت السد، وسيكون هناك حل سريع للأزمة»، وهو ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للإشادة بتصريحات ترمب، وبرغبته في حل الأزمة.
ومساء الثامن من يوليو الماضي أيضاً، قال ترمب للمرة الثالثة في خطاب أمام أعضاء مجلس الشيوخ في واشنطن، في معرض رصده ما وصفها بجهود إدارته في حل الأزمات في العالم: «لقد تم التعامل مع مصر وإثيوبيا، وكما تعلمون فقد كانتا تتقاتلان بسبب السد»، منوهاً بأن الأمر «سيُحَلّ على المدى الطويل». لكن برغم هذا الحديث المتكرر، الذي رحبت به مصر رسمياً، لم يتم رصد أي تدخل رسمي من ترمب في قضية «السد» على الرغم من إعلان إثيوبيا قبل شهر الانتهاء من بنائه والاستعداد لتدشينه رسمياً في حفل رسمي سبتمبر (أيلول) المقبل، وهو ما أثار حفيظة القاهرة التي أطلقت تصريحات غاضبة ومتصاعدة «عن حقها في الدفاع عن أمن مصر المائي».

عضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري قال لـ«الشرق الأوسط»: «غير صحيح ما تدعيه إدارة ترمب من نجاحه في إخماد الأزمة بين مصر وإثيوبيا، بل هو الذي دعا مصر لضرب (سد النهضة) حينما فشل في التوسط بينهما في ولايته الأولى، إلا أن القاهرة كانت تدرك أن الهدف هو توريطها»، حسب رأيه.
واستضافت واشنطن خلال ولاية ترمب الأولى جولة مفاوضات عام 2020 بمشاركة البنك الدولي، ورغم التقدم الذي شهدته المفاوضات بين الدول الثلاث؛ مصر وإثيوبيا والسودان، لكنها لم تصل إلى اتفاق نهائي بسبب رفض الجانب الإثيوبي التوقيع على مشروع الاتفاق، الذي جرى التوصل إليه وقتها، حيث اتهمت إثيوبيا أميركا بـ«الانحياز»، وهو ما أثار غضب ترمب وأقر بحق مصر في ضرب «السد».
الخبير الاستراتيجي الأردني، الدكتور إبراهيم عيسى العبادي، يرى أن «إدارة ترمب لم تحقق تقدماً ملموساً في حل نزاع سد النهضة، ورغم محاولات الوساطة الأميركية في 2019 – 2020 برعاية وزير الخزانة ستيفن منوتشين، انهارت المفاوضات بسبب رفض إثيوبيا التوقيع على اتفاق وقّعت عليه مصر».
وأوضح أن «تصريحات ترمب عام 2020 عن احتمال تفجير مصر للسد أثارت جدلاً، ولم تُسهم في حل دبلوماسي، وفي ولايته الثانية، كرر ادعاءات بأن الولايات المتحدة ستحل النزاع بسرعة، لكن لا توجد أدلة على إنجازات فعلية حتى الآن، مما يشير إلى أن هذه التصريحات قد تكون دعائية أكثر منها واقعية».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «بتقديري الدعاية الترمبية حول سد النهضة تهدف لتعزيز صورته صانع سلام، والضغط على مصر في قضايا إقليمية مثل غزة، وإثارة الجدل لصرف الانتباه عن قضايا داخلية، مع الترويج لدور أميركي في الوساطة دون تقدم ملموس ما يعكس طابعاً دعائياً أكثر منه عملياً، وبتقديري أيضاً فإن دعاية ترمب حول سد النهضة تهدف جزئياً لترسيخ صورته مرشحاً لجائزة نوبل للسلام من خلال تصويره وسيطاً عالمياً ناجحاً، رغم غياب إنجازات ملموسة».