المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يتحدث عن الوسطية الإسلامية وفهم الواقع
بقلم \ الكاتب و المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
مما لا شك فيه أن وسطية هذه الأمة جعل الهى وليست مجرد نزعة إنسانية أو إختيار بشرى يرغبه البعض ويزود عنه اّخرون (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا).. البقرة:341
والمعني الإسلامي للوسطية هو التوازن الذي يجمع عناصر الحق والعدل من الأقطاب المتقابلة.. مكونا الموقف الثالث ـ الوسط ـ البريء من غلوي الإفراط والتفريط.. ولقد عبر الحديث النبوي الشريف أدق التعبير عن هذا المعني للوسطية الإسلامية.. عندما قال المعصوم ـ صلي الله عليه وسلم:الوسط: العدل.. جعلناكم أمة وسطا رواه الإمام أحمد.
ولأن العدل ـ الوسط ـ الخيار ـ إنما يتحقق بجمع عناصر الحق والعدل من المدعي والمدعي عليه.. واتخاذ موقف الشاهد علي هذه الموازنة بين مكونات هذا الموقف الوسط العادل ـ كانت الوسطية ـ بهذا المعني خصيصة الإسلام ـ العقيدة ـ والشريعة ـ والقيم والأخلاق ـ وخصيصة تجليات هذا الإسلام في مختلف ميادين الثقافة والمدنية ـ الحضارة ـ وسائر ممارسات الإنسان المسلم في سائر مناحي الحياة.
> لقد وازنت الوسطية بين آيات الله في كتابه المنظور ـ الكون ـ وبين آياته في كتابه المسطور ـ القرآن الكريم ـ وذلك حتي لا يغرق العقل المسلم في كتاب الكون وعالم الشهادة.. غافلا عن عالم الغيب وملكوت ما وراء المادة والطبيعة والمحسوسات.. فيقع في الدهرية التي جعلت أهلها( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون).. الروم:7
وحتي لا يغرق هذا العقل المسلم ـ كذلك ـ في بحار عالم الغيب ومحيطات الآخرة.. التي لا قدرة للعقل علي اكتناه حقائقها.. متجاوزا حدود الأمثال التي ضربها الله ـ سبحانه وتعالي لحقائق هذه العوالم.. علي النحو الذي يجعل هذا العقل غافلا عن فقه الواقع وعمران الدنيا.. المؤدي إلي سعادة الآخرة.. وانكشاف حقائقها يوم الدين.
> كذلك وازنت الوسطية الإسلامية بين الماضي والحاضر والمستقبل.. وذلك حتي لا يهاجر العقل المسلم من الحاضر إلي التاريخ.. وحتي لا يغفل عن عظات التاريخ.. وحتي يضم استشراف المستقبل إلي معطيات الحاضر وعبر التاريخ.. فالتاريخ في الرؤية الإسلامية ـ علم من علوم اجتماع الواقع المعيش.. وليس أكفان موتي.. ولا آثارا أصماء.. والوعي به يجعله نورا للبصيرة التي تفسح الآمال في المستقبل المنظور.
> ولقد مارس المسلمون الأوائل ـ الذين أقاموا الدين وأسسو ا الدولة.. وحرروا الأوطان والضمائر من قهر الفرس والروم وقعدوا قواعد المدنية والثقافة والحضارة.. وغيروا مجري التاريخ ـ مارسوا هذا المنهاج الوسطي المتوازن.. والموازن بين معارف عالم الغيب و معارف عالم الشهادة.. فأ فأسسوا العلوم الإسلامية التي تميزت بهذا التوازن وهذه الوسطية الجامعة.. وذلك عندما فتحوا كل الأبواب وجميع الآفاق أمام العقل المسلم كي يتفكر ويتدبر في ميادين عالم الشهادة.. ليعمر هذه الأرض مع دعوة هذا العقل إلي الاقتصاد في أنباء عالم الغيب.. التي لا يستطيع العقل النسبي إدراك اطلاقاتها.. ولا تستطيع اللغة التي هي مواضعات بشرية.. التعبير عن مكنونات أسرارها.. وانطلاقا من هذا المنهاج الوسطي المتوازن فتح العقل المسلم أبواب التأويل في علوم عالم الشهادة أمام الراسخين في العلم.. مع وقف علم المآلات في معارف عالم الغيب علي علام الغيوب.. فكانت السباحة والغوص في محيطات علوم عالم الشهادة مع إلجام العوام عن الخوض فيما لا طائل من وراء الخوض فيه.
