الفن المصري في 2019: أرقام قياسية بالسينما وانتعاشة مسرحية والنقاد يطالبون بدعم الأفلام الجيدة للمنافسة في المهرجانات الدولية
الغربية – القاهرة – معاذ الراوي – 26 – ديسمبر – 2019
لم يكن العام 2019 عادياً بالنسبة إلى الفن المصري بل كان «استثنائياً ومميزاً»، بعدما شهد طفرة غير مسبوقة في إيرادات الأفلام السينمائية، وإعادة توزيع عرض المسلسلات على مدار العام، إضافة إلى عودة كبار نجوم الغناء لطرح ألبومات غنائية بعد سنوات من التوقف، حسب آراء الخبراء والنقاد الذين أكدوا أنّ عام 2019 شهد كذلك انتعاشة مسرحية لافتة، لكنّ العام نفسه لم يخلُ من الصدمات والحزن بعد فقد عدد من الفنانين والمخرجين البارزين. وتسلط «الشرق الأوسط» الضوء على أبرز الأحداث الفنية في مصر خلال العام المنصرم.
– حاجز الـ100 مليون جنيه
استطاع بعض الأفلام المصرية كسر حاجز الـ100 مليون جنيه مصري، (الدولار الأميركي يعادل 16 جنيهاً مصرياً)، لأول مرة في عام 2019. وهو أمر استحق تسليط الضوء عليه من النقاد والمتابعين لا سيما أن فيلمي «الفيل الأرزق2»، و«ولاد رزق2» اللذين عُرضا في موسم عيد الأضحى السينمائي الأخير، يعد كل منهما جزءاً ثانياً استغل نجاح الجزء الأول في دور السينما، ورغم ذلك لم يفقد الفيلمان بريقهما ونجحا في حصد إيرادات قياسية.
وفي ظاهرة لافتة أيضاً استطاعت أفلام الأكشن والإثارة والغموض ذات الإنتاج الضخم التفوق على «أفلام المقاولات»، وتوقع النقاد استمرار هذا التفوق خلال السنوات المقبلة مع استعادة السينما المصرية عافيتها عقب سنوات من الركود عقب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011.
وبتسليط الضوء على أرقام شباك التذاكر والتقييمات الفنية، فإنّ أفلام الأكشن والإثارة والغموض استطاعت التفوق على الأفلام الكوميدية في موسم الصيف، بينما تفوقت الكوميديا على الأنواع الأخرى في موسم إجازة منتصف العام الدراسي، إذ حققت أفلام «البدلة» لتامر حسني وأكرم حسني، «ونادي الرجال السري» بطولة كريم عبد العزيز وغادة عادل، إيرادات كبيرة، متفوقة على فيلم الرعب «122» بطولة طارق لطفي وأحمد داود وأمينة خليل.
نجاعة السينما المصرية في عام 2019 يرجعها الناقد الفني محمد رفعت إلى الإنتاج الضخم والجرأة في تناول الأفكار والخروج من الأطر التقليدية، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «عام 2019 كان عاماً مميزاً بالنسبة إلى السينما المصرية بكل المقاييس، لا سيما بعد كسر أفلام سينمائية حاجز الـ100 مليون جنيه لأول مرة، ما يؤكد أنّ السينما المصرية استعادت تألقها من جديد على المستوى التجاري والانتشار».
ويعد رفعت الدورة الـ41 من مهرجان القاهرة السينمائي من بين أبرز إيجابيات عام 2019 الفنية في مصر، ويقول إنّ المهرجان نجح في خلق زخم فني كبير في مصر خصوصاً بعد عرض أكثر من 40 فيلماً سينمائياً عالمياً لأول مرة في تاريخ المهرجان، وهو بلا شك نجاح كبير يُحسب للإدارة الحالية، إذ شهد معظم العروض إقبالاً كثيفاً.
وسينمائياً أيضاً… نجح فيلم «الممر» بطولة الفنان أحمد عز وإخراج شريف عرفة، في استعادة بريق الأفلام الحربية مجدداً خلال عام 2019، حيث نافس فيلم «كازابلانكا» بطولة الفنان أمير كرارة بشدة على إيرادات موسم عيد الفطر، وهي ظاهرة يراها الناقد الفني محمود عبد الشكور إيجابية ومشجعة على إنتاج مزيد من الأفلام الحربية التي كادت تختفي من السينما المصرية خلال السنوات الأخيرة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «استطاع فيلم (الممر) أن يصنع زخماً فنياً وسينمائياً كبيراً، خصوصاً بعد عرضه تلفزيونياً في ذكرى انتصارات حرب أكتوبر (تشرين الأول)، بعد أسابيع من بداية عرضه على الشاشة الذهبية، وهو ما أتاح للملايين مشاهدته وهم في منازلهم بعد تحقيقه أرباحاً جيدة بدور العرض السينمائية».
ولاستغلال النجاحات التي حققتها السينما المصرية في عام 2019، يطالب عبد الشكور صناع السينما المصرية في عام 2020 بضرورة التحالف لإنتاج أعمال ضخمة بعد تخطيط محكم، قائلاً: «الإيرادات الضخمة التي حققها بعض الأفلام جاءت من خلال مبادرات فردية لعبت الصدفة دوراً كبيراً في تحقيقها كل هذا الانتشار والتفوق، لكن بعقد تحالفات جديدة لإنتاج أعمال ضخمة ستكون النتيجة أفضل».
ورغم نجاح بعض الأفلام في عام 2019 على مستوى الإيرادات والإبهار البصري، فإن معاناة السينما المصرية لا تزال مستمرة على مستوى إنتاج أفلام فنية جيدة تصلح للمنافسة في المهرجانات الدولية داخل مصر وخارجها، ولإحداث التوازن يطالب عبد الشكور الحكومة بدعم المشروعات الفنية المميزة والمؤجلة، التي لا تجد من يموّلها أسوةً بدول أوروبية كبرى تتمتع بجذور سينمائية مهمة مثل فرنسا التي تدعم حتى الآن إنتاج الأفلام الجيدة، لضمان استمرارها ومنافستها في المهرجانات على مدار العام، مشيراً إلى أنّ «مصر يوجد بها مخرجون واعدون يستطيعون تمثيل البلاد بشكل مشرف في المهرجانات العالمية مثلما فعل أبو بكر شوقي، مخرج فيلم (يوم الدين) في مهرجان (كان)، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة مجدداً أمام كبار المخرجين المصريين مثل داود عبد السيد، ويسري نصر الله وغيرهم لإنتاج أفلام جديدة تستطيع المنافسة في تلك المهرجانات»، لافتاً إلى أنّ «المخرج الراحل الكبير سمير سيف ظل ثلاث سنوات من دون عمل إخراجي واحد، منذ آخر أفلامه في عام 2016 وكان إنتاجا تونسياً».
– تألق على خشبة المسرح
مسرحياً شهد عام 2019 انتعاشة لافتة داخل مصر عبر تنظيم مهرجانات مسرحية عدة وعرض مسرحيات مميزة لعب بطولتها كبار النجوم المصريين على غرار يحيى الفخراني في «الملك لير»، والفنان محمد هنيدي في «3 أيام في الساحل»، ووفق رفعت فإنّ «موسمي الرياض وجدة الفنيين بالسعودية، ساهما بدورهما في حدوث انتعاشة مسرحية وغنائية في مصر، بعد استعانة إدارة هيئة الترفيه بالنجوم المصريين لتقديم مسرحياتهم على أرض المملكة».
ورغم ذلك يرى رفعت أن توقف فرقة «مسرح مصر» من الأمور المحزنة في عام 2019. ويقول: «إغلاق مسرح أو توقف فرقة مسرحية عن العمل يعد أمراً سلبياً في جميع الحالات حتى لو صنع نجوماً بارزين يتألقون في كل أشكال الفن حالياً، ورغم الانتقادات التي كانت تُوجَّه إلى (مسرح مصر) فإنها لم تكن واقعية، لأن هذا الفريق نجح في إعادة الجمهور إلى المسرح مرة أخرى، ومن كان يقول إنه لا ينتمي للمسرح الحقيقي، فأود أن أقول له إن ثمة نجوماً مصريين راحلين كانوا يؤدون بنفس هذا النسق سنوات عدة، ولم ينتقدهم أحد رغم أنهم كانوا من كبار الفنانين الكوميديين».