رحيل مراسلة الحروب الشغوفة بـ(الإنسانية) نجوى قاسم
الغربية – مصطفى احمد – 3 – 1 – 2020
مرّت مسيرة المذيعة الراحلة نجوى قاسم، بمحطات بارزة في السياسة والإعلام، تجولت خلالها مقدمة البرامج السياسية في قناتي «العربية» و«الحدث»، بين مناطق النزاع والحروب، لتصير أيقونة على الشاشات، وطاقة فعالة تعلوها ابتسامة دائمة لا تختفي على الرغم من الكثير من الأحداث الجسام التي مرت بها.
فقد تحول السفر وملاحقة الأحداث إلى هواية قاسم الرئيسية، لتصير اللبنانية المولودة في السابع من يوليو (تموز) عام 1967 في بلدة جون اللبنانية، عنواناً للتأسيس للمقابلة الميدانية الشاملة، المعنية بتقديم معلومات غير منقوصة للمُشاهد، ذات منظور واضح، ومفردات منضبطة مهنياً، دون تجاهل للسياقات الكاملة للأحداث التي تغطيها.
وقد كان لنشأة المذيعة اللبنانية في أسرة منفتحة، تمقُت الطائفية التي أدخلت بلادها في حرب أهلية لسنوات طويلة، أثر كبير على شخصيتها، التي انعكست في علاقاتها الواسعة خلال سنوات دراستها الجامعية مع الجميع، وتجاربها الطلابية كفاعلة في مجموعات المتطوعين في الدفاع المدني، إلى العمل مع المهجّرين بسبب الحرب وغيرها.
وامتد هذا التأثير إلى هجرها دراستها الجامعية الهندسة المعمارية، والانتقال للعمل الصحافي في رحلات وجولات لم تنقطع بين مناطق النزاع والحروب.
تستعيد قاسم بعض مشاهد طفولتها التي تركت آثاراً على مسيرتها، في مقابلة سابقة لها: «في أثناء الاجتياح الإسرائيلي كان عمري 14 سنة وقد عملت بالدفاع المدني على مدى 3 سنوات، وكانت لحظة الاجتياح الإسرائيلي في 4 يونيو (حزيران) عندما قصفت المدينة الرياضية لحظة غيّرت مسار حياتي مما أعطاني دوراً صغيراً، وعندما انتهى الاجتياح اكتشفت أنني أصبحت شخصاً آخر، حيث صرت مهتمة أكثر بالشأن العام والعمل السياسي».
بدأت قاسم هذه الرحلة الطويلة منذ أوائل التسعينات حين بدأت العمل كمراسلة متجولة لتلفزيون «المستقبل» اللبناني؛ أصبحت شاهداً، في سنواتها عملها، على أكبر الأحداث في الشرق الأوسط وتحديداً خلال حربي أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003، ولاحقاً لتغطية العدوان الإسرائيلي على لبنان، غير عابئة في أسفارها بزخات الرصاص والانفجارات الكبيرة التي كادت تُنهي حياتها في مرات كثيرة.
من بين هذه المرات، كانت في بغداد خلال عملها لتغطية فترة ما بعد الحرب، حيث جُرحت جرحاً طفيفاً في يدها على أثر تفجير مكتب «العربية» هناك والذي أدى إلى مقتل 5 من العاملين فيه وجرح 15 آخرين، حيث كانت داخل إحدى الغرف بالمكتب تتناقش مع أحد زملائها في شؤون العمل عندما وقع انفجار كبير. وبعد ذلك سمعت الصراخ، وفي أثناء محاولتها الخروج شاهدت عدداً من زملائها وقد وقعوا جرحى، فهرعت مع الباقين إلى الشارع لإيقاف السيارات لنقل الجرحى إلى المستشفيات فيما كانت هناك عدة جثث قد تناثرت أشلاؤها جراء قوة الانفجار.
تتذكر قاسم بعضاً من مشاهد هذه الجولات خلال عملها على تغطية حرب أفغانستان في مقابلة سابقة مع قناة «العربية»: «كنا فريقاً صغيراً ولسنا تابعين لمحطة إخبارية تعد إمكانياتها قليلة مقارنةً بوسائل إعلامية دولية وعربية ضخمة متخصصة في الأخبار، لذلك لم يكن بمقدورنا أن ننافس على (السبق الإعلامي) فركّزنا على الجانب الإنساني الذي لم تهتم به محطات أخرى».
وتتابع: «أعددت عدة تقارير عن آلام النساء الأفغانيات والعراقيات والمصاعب التي يواجهنها في أثناء اندلاع الحروب، والخوض في غمار تلك المآسي كانت مسألة صعبة للغاية، إذ إن النساء لا يخرجن من البيت وفي أثناء الدخول ممنوع أن يدخل المصور. وكتبت عن اللاجئين والأطفال الذين يعملون أعمالاً شاقة من 7 صباحاً حتى 7 مساءً بصناعة الأحجار التي يبنون بها بيوتهم، وهناك أعداد كبيرة من الأطفال ينقّبون في أكوام القمامة للعثور على شيء يبيعونه، وتحدثت عن الأطفال الجرحى المهددين بقطع الأعضاء».