داعش أغرى الصغار بالسلاح والسلطة.. وأجانب تولوا تدريبهم قضاة متخصصون بجرائم الأحداث يتحدثون عن تجنيد الإرهاب للأطفال
بغداد / إيناس جبار
“أقنعني رجل ثلاثيني بالذهاب إلى الحويجة للانتماء إلى تنظيم داعش الإرهابي بعد سيطرة التنظيم على ناحية تازة عام 2014، وعند وصولنا دائرة ماء الحويجة استقبلنا (أبو صهيب) أحد قياديي داعش هناك ونظم لنا كتابا أرسلنا بموجبه إلى معسكر التدريب في الرياض إحدى نواحي كركوك”. لا يتجاوز الحدث “عامر” الذي تربّى في كنف عائلة ذات دخل محدود في ناحية تازة سن الخامسة عشرة، ويضيف في معرض إفادته التي حصلت عليها “الصباح”: “بقيت 21 يوما أتلقى دروسا في أصول الفقه والعقيدة وكيفية استخدام السلاح، وتعرفت على العديد من المنتمين من أقراني داخل المعسكر ممّن أتوا من قرى ونواحٍ مجاورة وجميعنا طلاب ومتدربون”. ويكمل عامر “عدنا بعد التخرج لقضاء الحويجة، لترديد البيعة على يدي (أبو صهيب)، ثم تسلمت سلاحا رشاشا مع مخزن عيارات نارية وبدلة عسكرية (قندهارية)”، لافتا إلى أن الوظيفة التي تولاها “تنظيم سير المواطنين عند بوابة دائرة ماء الحويجة، ثم تنقلت للعمل في علوة بيع المواشي وكان واجبي جباية الوصولات”. تقاضى عامر راتباً شهرياً مقداره (175) ألف دينار فقط لكنه لم يشترك بمعركة، لكن شقيقه أجبر على الانتماء، كما عبّر لما يسمى جيش المجاهدين المنضوي تحت فصائل النقشبندية والتي بدورها بايعت عناصر داعش”. وخلص الى انه في “رمضان عام 2015 تركت العمل في التنظيم وعدت إلى بيت والدي وقد تركنا المنطقة أنا وشقيقي وهربنا”. لكن العديد من أقران عامر بقوا تحت وطأة تنظيم داعش يتلقون الفكر الإجرامي والتدريب العسكري ليزجهم التنظيم وقوداً في معاركه الخاسرة. ويؤكد القاضي سلمان لفتة رئيس محكمة أحداث صلاح الدين أن “موضوع انتماء الحدث إلى داعش ذو خصوصية مختلفة، إذ أن عوامل عديدة وراء استمالة هذه الفئة العمرية للانخراط في صفوف التنظيم”. وفي حديث إلى “الصباح” أرجع لفتة دوافع الانتماء الى أسباب عديدة منها “حب الظهور والسلطة الذي يجذب الصبية، وكذلك المغريات المادية والعينية التي تستجلب غريزتهم النفسية لاسيما أولئك الذين يعانون مشكلات مجتمعية وفقر”. ولا يستبعد لفتة أسبابا أخرى كشفتها الإجراءات التحقيقية منها “الضغط والإكراه من قبل ذويهم البالغين والمنتمين للتنظيم على تجنيد أبنائهم ومبايعتهم للإرهاب”. وشهدت محافظة صلاح الدين حالات انتماء اقل من نظيراتها كركوك ونينوى عدا قضاء الشرقاط الذي يماثل في أعداد الإرهابيين الأحداث ما موجود في نينوى، كما يقول لفتة. ويؤشر أن “الأحداث المنتمين إلى داعش تباينوا في انتماءاتهم فمنهم من كان منتميا بالاسم ومنهم من اقترن اسمه بجرائم الاعتداء بالسلاح ناهيك عن جرائم القتل وسرقة السيارات والمصوغات الذهبية”. وعن جنسيات هؤلاء الفتية أوضح أن “أغلب الفتيان المنظورة دعاواهم أمام محاكمنا من جنسيات عراقية، لكن اعترافاتهم تشير إلى تدريبهم على أيدي خبراء بالغين من جنسيات مختلفة كالروس والألمان وجنسيات أخرى”. وعلى الرغم من بشاعة الجرائم التي ارتكبها هؤلاء الأحداث إلا أن العراق يعد في مصاف الدول التي جعلت عقوبتهم تربوية لا تصل الى الإعدام إذ يرى لفتة أن “البلاد بحاجة لدراسة تعزز هذا الشأن لتعريف العالم بالتشريعات العراقية وتقدمها الإنساني”. من جانبه، يرى القاضي موحان إبراهيم الطيار المتخصص بنظر جرائم الأحداث أن “الفتية ما بين 10 – 17 عاماً حقل خصب للجماعات الإرهابية إذ يمكن استمالتهم بالمغريات بحكم أعمارهم ولا مبالاتهم بالعواقب”. ولفت الطيار في حديث لـ”الصباح” إلى أن “تزويد الحدث بسيارة وسلاح وإعطاءه سلطة مطلقة كافية لجذب مئات الأطفال وبسهولة كبيرة، لذلك ركز تنظيم داعش على الأحداث لسهولة الكسب والإقناع وتقبلهم للمغريات ثم إقناعهم عن طريق الدين من وجهة أخرى”. ولا يختلف القاضي مظهر بدر الطرفة نائب رئيس جنايات أحداث بابل عن زملائه في طرق جذب الصبية للانتماء في التنظيم. ويرى الطرفة أن “الاستمالة المادية والعقائدية والظروف الاجتماعية الصعبة للحدث الناشئ دفعت بعصابات داعش إلى استمالتهم عن طريق توفير العمل وأحياناً من خلال تزويجهم إضافة للأسباب النفسية العامة التي يمر بها الحدث في هذه المرحلة العمرية”. وأكد الطرفة إلى “الصباح” أن “الكثير من العائلات في محافظة بابل لاسيما ناحية جرف الصخر شمالي المحافظة استطاعت حصر الظاهرة وانتشال أبنائها من الفكر العقائدي الملوث وإعادتهم الى جادة الصواب”. من جانبه يقول الدكتور احمد قاسم أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد “المعروف اجتماعيا إن هذه الأعمار المركبة هي في طور التشكيل، فهم أشخاص لا يدركون الصواب والخطأ ، لذا ركز “داعش” على هذه الفئة العمرية لغرض الاستمرار والامتداد لأجيال عدة تحمل معتقداتها”. ويرى ان “السبب الرئيسي لاستمالتهم هو مرحلة تحولهم البيولوجي كونهم عجينة طيعة قابلة للتشكيل” بحسب وصفه. وأكد أستاذ الاجتماع على “ضرورة إعادة دمجهم اجتماعيا وإعادة تأهيلهم وزجهم في برامج بالتعاون بين المؤسسات كافة”